للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذل عاذل، ثم بيّن الله أنّ الاتصاف بهذه الصفات أثر عن فضله وتوفيقه، وهو الواسع الفضل، العليم بمن يستحق ذلك ممن لا يستحقه، وبعد أن حرّم الله في بداية المقطع تولي اليهود والنصارى، فضلا عن غيرهم من الكافرين، حدّد من يستحقون ولاية المسلم، فذكر أنه لا يستحقها إلا الله ورسوله والمؤمنون، المتصفون بإقام الصلاة التي هي بعد الشهادتين أكبر أركان الإسلام، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين، ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين، ثم أعطى الله وعده أن كل من يرضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو منصور وغالب في الدنيا والآخرة، ثم أعاد الله الكرّة بالتنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله، من الكتابيين والمشركين، الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون- وهي شرائع الإسلام المطهرة، المحكمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي- يتخذونها هزوا يستهزءون بها، ويعتقدون أنها نوع من اللعب، في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، فكل من اتّخذ دين الله هزوا ولعبا من كتابي أو ملحد أو مشرك، فقد نهى الله عن موالاته. فأي جهل هذا الجهل العريض الذي وقع فيه عامّة المسلمين وخاصتهم، عند ما يوالون من هذا شأنه من زعماء أحزاب أو قادة سياسيين، أو رؤساء دول، ثم أمر الله- عزّ وجل- بتقواه وبالخوف منه؛ إذ بدون تقوى فلا إيمان، وكما يستهزئ هؤلاء بدين الله وشرائعه، فإنّهم إذا أذّن المسلمون داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال- لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب- يتخذون الصلاة هزوا ولعبا؛ بسبب جهلهم بمعاني عبادة الله وشرائعه، وما أكثر ما نصادف هؤلاء في عصرنا، حتى من أبناء المسلمين، الذين يعتبرون الصلاة لا تليق بالخاصّة، ويعتبرونها نوعا من أنواع الحركات الرياضية، يغني عنها غيرها بل يفضلها، ألا ما أجهلهم بجلال الله وحقه في أن يعبد، وما أكثر ما استطاع أعداء الله أن يكفّروا أبناء المسلمين.

وبعد أن نهى الله عن اتخاذ الكافرين كلهم أولياء، ناصّا على أهل الكتاب خاصة، لأنهم مظنة أن يخدعوا المسلمين، فإنه أمر أن نوجّه لهم الخطاب في تسفيه ما هم عليه.

فلا يكفي أن يكون موقفك من الكفر وأهله سلبيا، بل لا بد من موقف إيجابي، لأنه بدون ذلك لا يسلم لك حتى الموقف السلبي. ومن ثم أصدر الله أمره لرسوله صلّى الله عليه وسلّم- وهو أمر في الوقت نفسه للأمّة- أن تقول لأهل الكتاب هل لكم مطعن علينا أو عيب، إلا أننا نؤمن بالله حق الإيمان، وما أنزل علينا وما أنزل عليكم، وهل تنقمون منا إلا لأنكم فاسقون عن أمر الله، لا تلتزمونه ونحن نلتزم أمر الله كاملا، ثم أمرنا أن نقول لهم: هل نخبركم بمن هو شرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>