جزاء عند الله يوم القيامة؟ إنّهم أنتم المتصفون بما استوجبتم به لعنة الله، وغضبه ومسخه لكم، قردة وخنازير، أنتم الذين عبدتم الطاغوت من دون الله، فأنتم إذن شرّ مكانا مما تظنون بنا، وأنتم الضّالّون عن سواء السبيل، وبمناسبة النهي عن موالاتهم والأمر بتقريعهم يذكر لنا حالة من حالاتهم كيلا نخدع بهم، ثم حالة أخرى تنفر منهم وتقزّز النّفس من أحوالهم، أما الحالة الأولى فهي أنهم أحيانا يصانعون المؤمنين، بإعلان الإيمان في الظاهر، وقلوبهم منطوية على الكفر، ويدخلون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم مستصحبون الكفر، ويخرجون من عنده والكفر كامن في أنفسهم لم ينتفعوا بما قد سمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من العلم، ولم تنجع فيهم المواعظ، ولا الزواجر، والله عالم بسرائرهم وما تنطوي عليه ضمائرهم، وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك، وتزينوا بما ليس فيهم، فإنّ الله عالم الغيب والشهادة أعلم بهم، وسيجزيهم على ذلك أتمّ الجزاء. أما الحالة الثانية فهي أنهم يبادرون إلى تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على النّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل، فلبئس العمل عملهم، وبئس الاعتداء اعتداؤهم، وهذه الحالة التي هم عليها لا ينهاهم عنها زهّادهم ولا علماؤهم، فلبئس صنيع الجميع. ثم أخبر تعالى عن مظهر من مظاهر جهل اليهود بالله، وسوء أدبهم معه، إذ يصفونه تعالى بأنه بخيل، جامعين إلى ذلك سوء التعبير، وقد ردّ الله- عزّ وجل- عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه، بأن جعل أيديهم مغلولة، ولعنهم بسبب قولهم هذا، وبيّن تعالى أنه وحده الكريم ذو الكرم المطلق، لأنه ذو المشيئة المطلقة، فهو الواسع الفضل، الجزيل العطاء، الذي ما من شئ إلا عنده خزائنه، وما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له، الذي خلق لنا كل شئ مما نحتاج إليه في ليلنا ونهارنا، وحضرنا وسفرنا، وفي جميع أحوالنا، فهل هو
الذي يستحق الولاية أم هؤلاء؟
ولنتذكّر أن هذا كله يأتي في سياق المقطع الذي ينهى عن موالاة هؤلاء وأمثالهم، ليكون قطع الولاء مبنيّا على أساس من الفهم العميق لوضع هؤلاء، ونفسيّتهم، وسلوكهم، ومن أجل أن نزداد بصيرة بيّن تعالى أنّ ما يؤتي الله- عزّ وجل- محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأمّته من النّعم لا يزيد هؤلاء اليهود وأشباههم إلا نقمة، فبينما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا، وعلما نافعا، يزداد به الكافرون الحاسدون له ولأمته طغيانا، وقد عاقبهم الله- عزّ وجل- بأن ألقى بينهم العداوة والبغضاء، والخصومة والجدال في الدين، فلا تجتمع قلوبهم أبدا، وقد خالفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذبوه، وقد وعدنا الله أنه كلما عقدوا أسبابا يكيدوننا بها، وكلما أبرموا أمرا يحاربوننا فيه، أبطله الله، وردّ