وبمناسبة ما مر أقول: إن التركيز على قضية القلب من أهم ملامح التربية القرآنية والنبوية، وقد أهمل الناس هذا إلا القليل، والقليل عنده دخن كثير إلا أقل القليل.
ولأن الجزء الأكبر من التكاليف الربانية منوط بالقلب، فإن على الإنسان أن ينتبه لذلك. ونحن- في هذه السلسلة- سنعطي هذا الموضوع حقه، كلما جاءت مناسبته بإذن الله.
[فصل في الكفر الذي لا يؤمن أهله]
يلاحظ أن كثيرين من الناس يكونون كافرين ثم يدخلون في الإسلام، وقد ذكرت الفقرة التي تحدثت عن الكافرين في مقدمة سورة البقرة أن الكافرين يستوي عليهم الإنذار وعدمه فهم لا يؤمنون فكيف نجمع بين هذا وهذا؟ قال بعض المفسرين في هذا: والمراد بالذين كفروا هنا أناس علم الله أنهم لا يؤمنون فهؤلاء يستوي عليهم الإنذار وعدمه، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ .. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له السعادة في الذكر التفسير، أن هاتين الآيتين قد فصلت فيهما سور في كتاب الله، ومن خلال دراسة هذه السور سنرى أن الكفر الكامل هو ما انعدمت فيه قضية الفطرة في قلب الإنسان، وأن هذا له علاماته وله حقيقته وثمراته. فمن اجتمعت له الحقيقة والثمرات والعلامات فهذا الذي لم تعد فيه بقية من الفطرة، وهذا الذي لم يعد ينفع معه إنذار. ولكون هذا لا يعلمه إلا الله فإننا مكلفون بالإنذار لإقامة الحجة، أما الكافرون الذين لم يصلوا إلى مثل تلك الدرجة، فهؤلاء لا زال في شأنهم أمل أن يهتدوا بإذن الله أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (الأنعام: ١٢٢) ولا يصل الإنسان إلى الكفر الذي لا أمل معه في الإيمان إلا بسيره في طريق ذلك كما رأينا. في الفصل السابق، وهذا موضوع سنراه كثيرا. وبكلامنا هذا لا نرد على من ذهب إلى أن الآيتين وردتا في شأن كفار علم الله أنهم لا يؤمنون، بل كلامنا تبيان لأسباب هداية بعض الكافرين وعدم هداية بعضهم، وإلا فالآيتان حتما واردتان في كفار علم الله أنهم لا يهتدون.