عبرها أن امتحان الله رفيق فقد أعطى آدم الجنة ومنعه القليل، وأباح لنا الكثير النافع، ومنعنا القليل الضار، أباح لنا الطعام وحرم علينا لحم الخنزير والميتة والدم، أباح لنا الشراب وحرم علينا الخمر، فالعاقل من وقف عند الحدود. ومن عبرها أن الشهوات الحسية والمعنوية باب الخطيئة، فإن حرص آدم على الخلود وطاعته لشهوة الطعام كانا سبب الخطيئة، وهذا دأب الإنسان في كل العصور، فهو إما مغلوب بشهوة العز والمجد والرئاسة، وإما مغلوب بشهوة الفرج والبطن، فيسلك في هذا أو ذاك غير طريق الله إلا القليل. نسأل الله أن يجعلنا من أهله وأن يحفظنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
قال فتح الموصلي «كنا قوما من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها».
[وقال الشاعر]
يا ناظرا يرنو بعيني راقد ... ومشاهدا للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درج الجنان ونيل فوز العابد
أنسيت ربك حين أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنب واحد؟
وقال الرازي:«إن من تصور ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة كان على على وجل شديد من المعاصي».
ويقول صاحب الظلال:«لعلني ألمح أن هذه التجربة كانت تربية لهذا الخليفة وإعدادا، كانت إيقاظا للقوى المذخورة في كيانه، كانت تدريبا له على تلقي الغواية وتذوق العاقبة وتجرع الندامة ومعرفة العدو والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين، إن قصة الشجرة المحرمة ووسوسة الشيطان باللذة، ونسيان العهد بالمعصية، والصحوة من بعد السكرة والندم وطلب المغفرة إنها هي هي تجربة البشرية المتجددة المكرورة، لقد اقتضت رحمة الله بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته مزودا بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا».
(ز) ومن دروس قصة آدم «أن الخطيئة فردية والتوبة فردية في تصور واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض، ليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده- كما تقوله نظرية الكنيسة- وليس هنالك تكفير لاهوتي كالذي تقول به الكنيسة: إن عيسى عليه السلام (ابن الله بزعمهم) قام بصلبه تخليصا لبني آدم من خطيئة آدم، كلا،