صلاته بمحور السورة، والآية التالية تزيد الأمر وضوحا:
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ هذا يشير إلى سنة الله في الإرسال والتذكير، كما يشير إلى أنه مع كمال هذا القرآن فقد وجد إعراض عنه وريب فيه، ولهذا صلة بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ... فالسورة تبدأ بالحديث مع الذين يرتابون في هذا القرآن، مقيمة الحجة عليهم، مبيّنة أن الريب في القرآن سببه أمراض النفوس والقلوب، فلنر كيف سار السياق.
بعد أن بيّن الله عزّ وجل شرف كتابه في الملأ الأعلى- كما قال ابن كثير- ليشرفه ويعظمه أهل الأرض قال تعالى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ. أي: أفننحّي عنكم الذكر ونذوده عنكم صَفْحاً أي: إعراضا، فصار المعنى: أفنضرب عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضا عنكم أَنْ أي: لأن كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ أي: مفرطين في الجهالة، مجاوزين الحد في الضلالة. والاستفهام في الآية إنكاري. قال النسفي:(إنكارا لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم من إنزاله الكتاب وجعله قرآنا عربيا ليعقلوه وليعملوا بمواجبه) وبعد أن ذكر ابن كثير أقوال المفسرين في الآية قال:
وقول قتادة لطيف المعنى جدا، وحاصله أنه يقول في معناه: أنه تعالى من نطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم، وهو القرآن. وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر به ليهتدي من قدّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته،
ثم قال جل وعلا مسليا لنبيّه صلّى الله عليه وسلم في تكذيب من كذّبه من قومه، وآمرا له بالصبر عليهم: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ أي: كثيرا من الرسل أرسلنا إلى من تقدّمك
فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي فأهلكنا من هو أشدّ بطشا من هؤلاء المسرفين المكذبين لك. وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ قال النسفي:(أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقّها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله ووعيد لهم).