للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلمة جميعا هنا حال، والمراد مجتمعين، فالأمر الثاني بالنفير العام، والنفر: الخروج للعدو. والمعني: فاخرجوا إلى قتال العدو، جماعات متفرقة سرية بعد سرية، وجماعة بعد جماعة، عصابة بعد عصابة أو اخرجوا مجتمعين، فهو أمر بالقتال، إما بالخروج المجزأ، وإما بالنفير العام، حسب مقتضيات الأحوال. ويدخل في الأمر بالقتال ثُباتٍ القتال على طريقة حرب العصابات، حتى إن ابن كثير فسر ثبات فقال:

أي عصبا. ففي الآية أمران، أمر بالحذر، وأمر بالقتال، والأمر بالقتال على حسب مقتضيات الأحوال. والمهم ألا يترك المسلمون القتال في سبيل الله على قدر ما يلزم، وبحسب ما يمكن. وسنرى في هذا المقطع أن بأس الكافرين لا ينكف عنا إلا بالقتال، ولو بقتال فردي، فما أكثر غفلة المسلمين حين تركوا القتال حتى تغلب الكافرون على أرضهم، وسيطر المرتدون على بلادهم، فذلوا ببلادهم لعدوهم، وطمع بهم كل طامع. وإذا لم يعودوا إلى دينهم بإحياء فريضة القتال على قدر المستطاع، فلن تكون كلمة الله هي العليا لا في أقطارهم، ولا في العالم، وهذا الذي ورد في الحديث «إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم جهادكم، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم». فكأن ميزان الرجوع إلى الإسلام هو الجهاد

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، أي: وإن منكم أيها المسلمين لمن أقسم جازما ليتثاقلن، وليتخلفن عن الجهاد، وقد عرفنا القسم من وجود اللام في قوله تعالى:

لَيُبَطِّئَنَّ، وقوله تعالى مِنْكُمْ. أي: من المسلمين، أي في الظاهر دون الباطن وهم المنافقون، ويحتمل أن يكون من المسلمين أنفسهم، ولكن ممن اختلت تصوراتهم، وكثر جهلهم، وفسد تقديرهم للأمور، ونظروا للأمور كلها من خلال مصلحتهم الذاتية، ومنفعتهم الخاصة. ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه، ويبطئ غيره عن الجهاد، كما كان عبد الله بن أبي بن سلول- قبحه الله- يفعل، يتأخر عن الجهاد، ويثبط الناس عن الخروج فيه، وهذا قول ابن جريج، وابن جرير، وقد يفعل هذا الذي يفعله المنافقون كثير من بسطاء المسلمين ممن لا يصدرون في أحكامهم عن شرع، أو فتوى، وإنما يصدرون أحكامهم بناء على ما يتصورونه مصلحة لأنفسهم، أو لناس من المسلمين، وهم بهذا يقتلون أنفسهم، ويقتلون المسلمين، وهم وإن لم يكونوا منافقين نفاق عقيدة، فإن عملهم هذا يستحقون به دخول النار، لجرأتهم على تعطيل فريضة الله، وعلى الفتوى بغير علم. والذي قلناه في كون من لا يتصف بنفاق العقيدة قد يقف نفس الموقف، بناء على أن كثيرين من الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>