أمراض القلوب أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ قال النسفي:
(قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب، منافقين أو مرتابين في أمر نبوته، أو خائفين الحيف في قضائه) ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله وإنما هم ظالمون، يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم، وذلك شئ لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ثم يأبون المحاكمة إليه، قال ابن كثير في الآية:(يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها، أو قد عرض لها شك في الدين، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم، وأيا ما كان فهو كفر محض، والله عليم بكل منهم، وما هو منطو عليه من هذه الصفات ... )
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور السورة هو قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً والآيات التي مرت معنا تذكر ناسا يتظاهرون بالدخول في الإسلام، ولكنهم إذا دعوا إلى الاحتكام إلى الإسلام في أمر يتعارض مع مصالحهم رفضوا أن يحتكموا إلى الإسلام وأهله، فهؤلاء ليسوا من الداخلين في الإسلام، وبعد أن عرض الله لنا هذه الظاهرة التي تتنافى مع الهدى والإسلام، يعرض الآن موقف المؤمنين الصادقين إذا دعوا إلى الله ورسوله، ويعطينا بذلك علامة من علامات الاهتداء والدخول في الإسلام كله، ثم يبشر هؤلاء:
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ أي إلى كتابه وَرَسُولِهِ أي إلى شخصه في حياته صلى الله عليه وسلم وإلى سنته بعد وفاته لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا أي سمعا وطاعة، أي سمعنا قول الله والرسول، وأطعنا أمر الله والرسول، فهذه علامة الاهتداء، وعلامة الدخول في الإسلام كله، ولهذا وصفهم الله بالفلاح: وهو نيل المطلوب، والسلامة من المرهوب وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون،
ثم بشرهم ووعدهم مع التفصيل في وصف من هو مظنة هذا الخلق فقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ في كتابه وفرائضه وَرَسُولَهُ في أوامره وسنته وَيَخْشَ اللَّهَ على ما مضى من ذنوبه وَيَتَّقْهِ فيما يستقبل فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ الذين فازوا بكل خير، وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة.