للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحواريون .. فإذا بينهم وبين أصحاب رسولنا صلّى الله عليه وسلّم فرق بعيد ..

إنهم الحواريون الذين ألهمهم الله الإيمان به وبرسوله عيسى. فآمنوا. وأشهدوا عيسى على إسلامهم .. ومع هذا فهم بعد ما رأوا من معجزات عيسى ما رأوا، يطلبون خارقة جديدة تطمئن بها نفوسهم، ويعلمون منها أنه صدقهم. ويشهدون بها له لمن وراءهم.

فأما أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فلم يطلبوا منه خارقة واحدة بعد إسلامهم .. لقد آمنت قلوبهم واطمأنت منذ أن خالطتها بشاشة الإيمان. ولقد صدّقوا فلم يعودوا يطلبون على صدقه بعد ذلك البرهان، ولقد شهدوا له بلا معجزة إلا هذا القرآن ..

هذا هو الفارق الكبير بين حواريي عيسى عليه السلام- وحواريي محمد صلّى الله عليه وسلّم- ذلك مستوى، وهذا مستوى .. وهؤلاء مسلمون، وأولئك مسلمون .. وهؤلاء مقبولون عند الله، وهؤلاء مقبولون .. ولكن تبقى المستويات متباعدة كما أرادها الله».

٢ - [ليس من الأدب مع الله الاقتراح بين يديه]

لاحظنا أن اقتراح الآيات على الرّسل ليس هو الأدب مع الله ورسله، وأنّ الاستجابة في هذه الحالة يرافقها شروط، ويشبه ما ورد هنا ما وقع لرسولنا عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قالت قريش للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، قال: «وتفعلون؟» قالوا: نعم، قال فدعا، فأتاه جبريل فقال: إنّ ربك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: «بل باب التوبة والرحمة».

٣ - [أثر آية ... إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ .. ]

يلاحظ أن ما قاله عيسى عليه السلام في هذا الموقف إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ... يقوله رسولنا عليه الصلاة والسلام في موقف من مواقف يوم القيامة، فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بموعظة فقال:

«يا أيها الناس. إنكم محشورون إلى الله- عزّ وجل- حفاة عراة غرلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وإنّ أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم

<<  <  ج: ص:  >  >>