الحكمة في التخفيف وهي تعذر القيام على المرضى والمسافرين والمجاهدين عَلِمَ الله إِنَّ أي: أنه سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى فيشق عليهم قيام الليل وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ أي: يسافرون يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي: من رزقه بالتجارة أو طلب العلم وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فلا يستطيعون الجمع بين مثل ذلك القيام وشئون القتال فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ قال النسفي: كرر الأمر بالتيسير لشدة احتياطهم. أقول: وفي ذكر حكمة التخفيف، أنها مراعاة لأحوال هذه الطوائف الثلاث إشعار بأن من لم يكن حاله كذلك، فإن عليه أن يبذل جهدا في قيام الليل، فإن سقطت الفرضية فقد بقي الندب، ثم قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي: الواجبة عليكم، ومجئ هذا الأمر في ختام السورة يشير إلى أن الإكثار من قيام الليل شئ، وإقامة الصلاة المفروضة شئ آخر وَآتُوا الزَّكاةَ أي: الواجبة، قال ابن كثير: وهذا يدل لمن قال بأن فرض الزكاة نزل بمكة، لكن مقادير النصب والمخرج لم يتبين إلا في المدنية وَأَقْرِضُوا اللَّهَ بالنوافل قَرْضاً حَسَناً قال ابن كثير:
يعني من الصدقات، فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره، وفسر النسفي القرض الحسن لله بأن يكون من الحلال بالإخلاص وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ أي: تجدوا ثوابه عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً أي: مما خلفتم وتركتم وَأَعْظَمَ أَجْراً أي: وأجزل ثوابا، قال ابن كثير: أي: جميع ما تقدمونه بين أيديكم، فهو لكم حاصل وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا، ثم ختم الله السورة- الدالة على الطريق بقوله: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ من السيئات والتقصير في الحسنات إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يستر على أهل الذنب والتقصير رَحِيمٌ يخفف عن أهل الجهد والتوفير، وقال ابن كثير: أي: أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها فإنه غفور رحيم لمن استغفره.
[كلمة في السياق]
هذه السورة رسمت طريق السير إلى الله، وبينت الطريق إلى التقوى في حده الأدنى وحده الأعلى، فحده الأدنى صلاة مفروضة، وزكاة، واستغفار، وقيام ما تيسر من الليل، وحده الأعلى: صلاة، وإنفاق، واستغفار، وقيام من الليل، وترتيل قرآن، وذكر، انقطاع إلى الله عزّ وجل، وصبر على أقوال الكافرين، وهجر لهم، وانتظار فعل الله فيهم إذا لم يكن جهاد مأمور به، وصلة ذلك بقضية العبادة والتقوى- التي