ما يدعوهم إليه، فماذا كان جوابهم؟ كان جوابهم جواب المستكبرين الطغاة:
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ أي ما نفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ أي من قولك والظاهر أنهم أرادوا أنهم لا يفهمون صحة ما يقول، لأن كلامه في منتهى الوضوح وكيف وهو كما قال الثوري: كان يقال له خطيب الأنبياء وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً أي لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها، فما أنت إلا واحد، وعشيرتك ليست على دينك وَلَوْلا رَهْطُكَ أي قومك وعشيرتك لَرَجَمْناكَ أي بالحجارة. والمعنى: ولولا عشيرتك لقتلناك شر قتلة، وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك أظهروا الميل إليهم، والإكرام لهم وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أي ليس لك عندنا شأن، فأنت لا تعز علينا، ولا تكرم حتى نكرمك من القتل، ونرفعك عن الرجم، وإنما يعز علينا رهطك؛ لأنهم من أهل ديننا. فأجابهم لتقوم عليهم الحجة
قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ قال لهم هذا لأن تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله، وحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله، لأن الله إذ أرسل رسولا جعل الأدب معه أدبا مع الله، ألا ترى قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء: ١٣) وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أي: ونسيتم الله وجعلتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به، والمعنى: أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاما لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة، فقد اتخذتم ربكم وراءكم فنبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي قد أحاط بأعمالكم علما فلا يخفى عليه شئ منها وهو مجازيكم عليها
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي على طريقتكم وهو تهديد لهم، أي اعملوا متمكنين من عداوتي مطبقين عليها إِنِّي عامِلٌ على طريقتي سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي بذله وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ في دعواكم وزعمكم وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أي وانتظروا العاقبة إني معكم منتظر
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ أي هامدين لا حراك بهم
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أي كأن لم يعيشوا ويقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ أي ألا هلاكا لهم كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ لأن طريقهم واحد.