قال الله عزّ وجل واصفاً رسوله والمؤمنين مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ فدلّ هذا على أن الرسول صلّى الله عليه وسلم وأمته موصوفون في التوراة بهذه الصفات، ولكن أين التوراة الحقيقية؟
إن التوراة الحالية محرّفة متناقضة، تدل على نفسها بنفسها أنها ليست التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، كما برهنا على ذلك في كتابنا (من أجل خطوة إلى الإمام) ومع أن التوراة الحالية كذلك فلا زال فيها بقايا من البشارات برسولنا عليه الصلاة والسلام ذكرناها في كتابنا (الرّسول صلّى الله عليه وسلم)، ولأن التوراة الحالية تمزج ما هو من سيرة موسى عليه السلام، بما هو وحي، بما هو حكاية. وبما أن هذه الأسفار كتبت بعد مئات السنين من وفاة موسى عليه السلام، وبما أنها حصيلة دمج لمجموعة روايات- كما نقلنا ذلك في هذا التفسير- فإننا لا نطمع أن نجد شيئا على أصله فيها. ولقد تتبّعنا عبارات هذه الأسفار فوجدنا في بعضها ما يشير إلى بعض ما ذكره القرآن هنا، ولكن بشكل مفرق من مثل (أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه .. ) تثنية ١٨ (يجلب الربّ عليك أمّة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النّسر، أمة لا تفهم لسانها، أمة جافية الوجه لا تهاب الشيخ ولا تحن إلى الولد) تثنية ٢٨ (تهلّلوا أيها الأمم شعبه؛ لأنه ينتقم بدم عبيده، ويرد نقمة على أضراره، ويصفح عن أرضه عن شعبه) تثنية ٣٢ وهذا الأخير يشبه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.
١٤ - [أين الإنجيل الحقيقي؟]
قال تعالى وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وقد فتّشت في ما يسمى بالأناجيل الحالية والتي هي مجموعة روايات متناقضة، والتي تقيم الحجة بمضمونها على نفسها، أنها ليست ذات ما بشر به المسيح، فرأيت النص التالي يمكن أن يكون أصل ما أشار إليه القرآن: في الإصحاح الثالث عشر من إنجيل متى على لسان المسيح عليه السلام: (قدّم لهم مثلا آخر قائلا: يشبه ملكوت السموات حبّة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور؛ ولكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة حتى إن طيور السماء تأتي وتأوي في أغصانها).
[كلمة أخيرة في سورة الفتح]
بدأت السورة بمقدمة سمّت صلح الحديبية فتحا مبينا، وذكرت حكمة الله في هذا