للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفتح، وأنها إرادة الله برسوله: المغفرة وإتمام النعمة والهداية والنصر، ثم ذكرت إنزال السكينة على المؤمنين قبل الصلح وبعده، وأن حكمة ذلك زيادة الإيمان في قلوبهم من أجل أن تكون النتيجة إدخال المؤمنين الجنة، وتعذيب الكافرين في النار. وهكذا قدّمت السورة هذه المعاني الإجمالية ليعرف منذ البداية أن ما حدث يوم الحديبية كان فتحا، وأن عاقبته بالنسبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وبالنسبة للمؤمنين هي الخير كله. وبعد هذه المقدمة يعرض الله عزّ وجل المسألة من بدايتها: فالبداية أن الله أرسل محمدا صلّى الله عليه وسلم وجعل مهمته الشهادة على الخلق، والتبشير والإنذار، وأن على الخلق أن يؤمنوا بالله ورسوله، وأن ينصروا رسوله صلّى الله عليه وسلم، وأن يعظموه، وأن ينزهوا الله عزّ وجل، وأن بيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنما هي بيعة لله عزّ وجل، فماذا كان موقف الناس من هذه المعاني قبيل صلح الحديبية وأثناءه: أما المنافقون فقد تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم منذ البداية، وأمّا المؤمنون الصادقون فساروا معه، ولما اقتضى الأمر بيعة على الموت أو عدم الفرار بايعوا مطمئنين، فكافأهم الله بإنزال السكينة، وفتح خيبر، وغير ذلك. ومن جملة ذلك تحقيق رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالطواف حول البيت في عام لاحق، وأما الكافرون والمنافقون فكانت مواقفهم خلال ذلك في غاية الجهل والتناقض، ثم بشر الله عزّ وجل بإظهار دينه على الأديان كلها، ثم ذكر خصائص رسوله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين يستأهلون هذا النصر، ويستأهلون معه المغفرة والجنة.

هذه أمهات من المعاني في السورة عرض الله عزّ وجل لنا فيها صلح الحديبية، وما رتّبه عليه وأسماه فتحا، فأعطى بذلك المسلمين درسا خالدا من دروس القرآن، وكلها خوالد. فالقرآن الكريم يسجل لنا كل ما هو خالد تحتاجه الأمة الإسلامية أفرادا، وجماعة في سيرها خلال العصور، ومن ثم تجده سجّل كثيرا من مواقف السيرة التي من هذا النوع في الحرب أو في السلم، فسجّل لنا مواقف متعددة في قضايا الجهاد من خلال عرضه لغزوات رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحروبه الرئيسية، وسجل لنا هاهنا موقفا ترتب عليه معاهدة وصلح، وهو موقف قد تحتاجه الأمة الإسلامية في سيرها الطويل كثيرا، والملاحظ أن سورة القتال السابقة على سورة الفتح ذكرت شيئا عن المسالمة والمصالحة، وأنها جائزة في بعض الحالات، وقد جاءت سورة الفتح لتعرض علينا نموذجا على أن الهدنة والصلح قد يترتب عليهما من المنافع والمصالح للمسلمين أضعافا مضاعفة، بل قد

<<  <  ج: ص:  >  >>