لا يكون في لحظة من اللحظات أية مصالح في الحرب. من هذه الصلة بين سورة القتال والفتح نعرف كيف أن السور في القسم الواحد يكمّل بعضها بعضا، سنحاول تفصيل هذا الموضوع في الكلام عن قسم المثاني بعد أن ننتهي من عرضه.
ومن خلال عرض ما مر فصلت السورة في قضايا تتعلّق بالإيمان والتقوى وأخلاق الجماعة المؤمنة، وفصّلت في الكفر وأخلاقه ودوافع أهله، وفصّلت في النفاق وأخلاق أهله ودوافعهم، وفصّلت في كيفية تعامل الجماعة المسلمة مع المنافقين، وفصّلت في سنن الله في عملية الصراع بين الكفر والإيمان، وفيما ينبغي أن يلاحظه المسلمون في عملية الصراع، ومن أهم ذلك حماية أرواح المؤمنين المخالطين للكافرين، كما فصّلت في خصائص الجماعة الإسلامية في تعاطفها مع بعضها وفي شدتها على الكافرين، وفي إقبالها على الله بالعبادة، وإخلاصها له في النية، كما فصّلت فيما تقتضيه عملية الإيمان من نصرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعظيمه.
ومما ينبغي أن نتذكره أنه لا يكفي أن يقول قائل آمنت بالله ورسوله، بل لا بد أن يرافق ذلك نصرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بنصرة شخصه في حياته، ونصرة شريعته ودينه، وأن يرافق ذلك توقير وتعظيم لشخص رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، وأن يرافق ذلك تنزيه لله عزّ وجل، وأن يضم المسلمين فيما بينهم صف واحد يمتاز بالرحمة فيما بينه، والشدة على العدو الكافر، ويمتاز بالصلاة والعبادة، والترقّي والإيمان والعمل الصالح، والصراع المتواصل لنشر الإسلام حتى يعمّ الإسلام العالم.
وقد رأينا صلة سورة الفتح بمحور السورة من البقرة وكيف أنها تفصله وتضرب الأمثال على تحققه؛ فقد جاء في المحور فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وهاهنا ذكر ما يترتب على ذلك من إيمان ونصرة وتوقير وتعظيم وتسبيح وبيعة. وفي المحور ذكر فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهاهنا ذكر كيفية الهداية، وذكر بعض أسبابها وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ومن السياق نعلم أن هذه الهداية هي أثر الحركة الجهادية المخلصة، وأثر الطاعة الراشدة، والمحور ذكر أن النصر يكون بعد البأساء والضراء والزلزال، وكان فتح الحديبية بعد ذلك كله.