أوذي بأكثر من هذا فصبر». أخرجاه في الصحيحين. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأصحابه: «لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مال فقسمه، قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله، ولا الدار الآخرة، قال فثبتّ حتى سمعت ما قالا، ثم أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنك قلت لنا: لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا، وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا فاحمرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشق عليه، ثم قال:
«دعنا منك لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر»).
وبمناسبة هذه الآية أقول:
إنه لا أضر على العمل الإسلامي من إيذاء القيادة الإسلامية، لأن أي عمل عام يكتب له نجاح في العادة بقدر توفر الثقة في قياداته، وفي العادة فإن الثقة لا تنتقل إلى الأمّة إلا من خلال الصف الإسلامي، فبقدر ما تحسن القيادات العمل، وبقدر ما تتوفر الثقة بالقيادات، فإن الأهداف تكون قابلة للتحقيق، ومن ثمّ فإن تحطيم القيادات الإسلامية كارثة محققة، إلا إذا كانت هذه القيادات غير رشيدة أو غير صالحة.
وعلى هذا فإن المسلم يجب أن يحتاط في كل كلمة تمس الثقة بين قيادة المسلمين وقاعدتهم، وعليه أن يعطي هذا الموضوع أهمية أكبر من أهمية موضوع الغيبة العادية.
إن الغيبة العادية لها إثمها الكبير عند الله، حتى إنه «لا يدخل الجنة قتات»، فكيف إذا كان في هذه الغيبة تدمير لكيان العمل الإسلامي.
وقد لاحظ علماء التربية هذا المعنى، فاعتبروا السم القاتل للقلب هو اعتراض المريد على الشيخ، وحذروا من مجالسة المعترضين والمنكرين على أولياء الله إلا بحق
الشرع القطعي، وعندئذ فحق الشرع هو المقدّم، ولكن بالطريق الذي حدده الشارع.
إن عملية البناء عملية صعبة، وعملية التهديم سهلة، وإن أخطر ما تصادفه الجماعات أن يتوجه أفرادها إلى التهديم، فهذا أسهل شئ وأبشعه.
٣ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً]
بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فلما انصرف، أومأ إلينا بيده، فجلسنا فقال: «إن الله تعالى