للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم لم يسأل ذلك شكا، أو تعنتا، وإنما سأله؛ ليترقى بذلك من علم اليقين، إلى عين اليقين. وأن يرى ذلك مشاهدة بعد أن رآه إيمانا ويقينا. فسأله لله عزّ وجل- وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا-: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ: فأجابه بالإيجاب. وبين إبراهيم سبب السؤال- والله أعلم به- أنه يسأل ذلك ليزداد سكونا، وطمأنينة، فأمره الله عزّ وجل أن يأتى بأربعة طيور، فيقطعها، ويجزئها. وأن يجعل على كل جبل جزءا. قال ابن عباس: وأخذ رءوسهن بيده. ثم أمره الله عزّ وجل أن يدعوهن، كما أمره الله عزّ وجل.

فجعل ينظر إلى الريش من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعيا، ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها. وجعل كل طائر يجئ ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم له رأسه تركب مع بقية جسده بحول الله وقوته. ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى:

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى: عزيز لا يغلبه شئ ولا يمتنع منه شئ. وما شاء كان بلا ممانع، لأنه القاهر لكل شئ. وحكيم في أقواله، وأفعاله، وشرعه، وقدره.

[المعنى الحرفي]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي: أي: سألت ذلك إرادة زيادة طمأنينة القلب. وذلك أن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، وأزيد للبصيرة. وإذا ما اجتمع علم الضرورة أي البديهة مع علم الاستدلال، حصل عين اليقين. قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ قال ابن كثير: اختلف المفسرون في هذه الأربعة، ما هي. وإن كان لا طائل تحت تعيينها. إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن. فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أي: أملهن، واضممهن إليك، وقطعهن. ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً أي: ثم جزئهن. وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك، وفي أرضك. ثُمَّ ادْعُهُنَّ أي: قل لهن تعالين بإذن الله. يَأْتِينَكَ سَعْياً أي: يأتينك ساعيات مسرعات في طيرانهن، أو مشيهن على أرجلهن. وإنما أمره بضمها إلى نفسه بعد أخذها ليتأملها ويعرف أشكالها، وهيآتها وحلاها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء، ولا يتوهم أنها غير تلك. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يمتنع عليه ما يريده.

حَكِيمٌ فيما يدبر. لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.

[فوائد]

١ - روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من

<<  <  ج: ص:  >  >>