إليها. فكأن معنى قوله تعالى في هذا المقام: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى:
تزودوا، واتقوا الاستطعام، وإبرام الناس، والتثقيل عليهم. وتزودوا للمعاد، باتقاء المحظورات. فإن خير زاد الآخرة اتقاؤها.
قال مقاتل بن حيان: لما نزلت هذه الآية: وَتَزَوَّدُوا. قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله. ما نجد ما نتزوده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزود ما تكف به وجهك عن الناس. وخير ما تزودتم التقوى». رواه ابن أبي حاتم.
وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: واتقوا عقابي ونكالي، وعذابي لمن خالفني، ولم يأتمر بأمري يا ذوي العقول والأفهام. فهم من النص أن قضية اللب الذي هو العقل، تقوى الله. ومن لم يتقه فكأنه لا لب له.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي: ليس عليكم إثم في أن تبتغوا في مواسم الحج عطاء وتفضلا.
وهو النفع والربح بالتجارة والكراء، روى البخاري عن ابن عباس فى سبب نزول هذه الآية قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية. فتأثموا أن يتجروا في الموسم. فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ. وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا نكرى. فهل لنا من حج؟ قال:
أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رءوسكم؟ قال:
قلنا بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني، فلم يجبه حتى نزل عليه جبرائيل بهذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح مولى عمر. قال: قلت يا أمير المؤمنين:
كنتم تتجرون في الحج؟. قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟!! ..
وقال النسفي من أئمة الحنفية عند هذه الآية: ونزل في قوم زعموا أن لا حج لحمال، وتاجر. وقالوا: هؤلاء، الداج وليسوا بالحاج لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ .... لكن قال الحنفية في كتبهم: (من نوى الحج والتجارة لا ثواب له إن كانت نية التجارة غالبة أو مساوية). والظاهر أنه لا ثواب كاملا. وإلا فلا يقول قائل: إن من تاجر ولم يشارك في أفعال الحج، كمن تاجر وشارك في أفعاله. وهذا من باب الحض على تغليب نية الآخرة على عمل الدنيا.
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ: دل قوله تعالى:
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ على وجوب الوقوف في عرفات. والإفاضة من عرفات