للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرض هاهنا، الإيجاب والإلزام. وقال ابن عباس في تفسيره: «من أحرم بحج أو عمرة» فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أي: من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع ودواعيه، من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء. ويدخل فيه الكلام الفاحش. وليتجنب الفسوق: وهو المعاصي عامة. ويدخل في ذلك السباب. لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». ومن الفسوق التنابز بالألقاب لقوله تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ (سورة الحجرات). واختار ابن جرير أن الفسوق هنا هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام من قتل الصيد، وحلق الشعر، وقلم الأظافر، ونحو ذلك.

وهي داخلة فيما ذكرنا.

فائدة: في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه».

وكما يجتنب الرفث والفسوق، فإنه يجتنب الجدال. والجدال هو المراء مع الرفقاء والخدم، والسائقين. وإنما أمرنا باجتناب الرفث والفسوق والجدال- وهو واجب الاجتناب في كل حال- لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة، والتطريب في قراءة القرآن.

روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من قضى نسكه، وسلم المسلمون من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه».

وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ: لما نهاهم عن إتيان القبيح قولا، وفعلا. وحثهم على فعل الجميل. وأخبرهم أنه عالم به. وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة. ففي هذا النص إخبار منه تعالى بعلمه الجزئيات والكليات ومن السياق يفهم أن في النص حثا على الخير، عقيب النهي عن الشر. فكأنه أمرهم أن يستعملوا مكان القبيح من الكلام، الحسن. ومكان الفسوق، البر والتقوى. ومكان الجدال، الوفاق والأخلاق الجميلة. ثم أمرهم بالتزود إذا سافروا لحجهم. قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا. في البخاري عن ابن عباس قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون. ويقولون: نحن المتوكلون. فأنزل الله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى». وكان ابن عمر يقول: «إن من كرم الرجل، طيب زاده في السفر». فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى:

لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا. أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى

<<  <  ج: ص:  >  >>