للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهم ما نلفت النظر إليه في السورة أن قوله تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ هو تلخيص لكل ما يقوله الكفار في كل الأعصار في هذا الدين وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وأن السورة ردت على هذه الأقوال كلها، وإنما لفتنا النظر إلى هذا واعتبرناه من أهم ما نلفت النظر إليه، لأنه لم يقل الكافرون في كل العصور كما قال الكافرون في عصرنا من زخرف قول عرضوه بملايين الصيغ والأشكال، في القصة والقصيدة والبحث والخطابة والمحاضرة والكتاب العلمي ولكن كل ما قالوه مرجعه إلى ما قاله الكافرون من قبل وهو ما قصه الله علينا في هذه السورة باختصار وبوضوح، لقد زعم هؤلاء أن قضية النبوة والرسالة تخيلات ومرائي منامية وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كاذب يفتري على الله ما لم يقله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم إنسان بليغ شاعري العواطف، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقوله الجاحدون.

إن في هذه السورة دروسا كبيرة لمن يقوم بعملية الإنذار في عصرنا، وفيها قوله تعالى رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

[ملاحظتان]

١ - إن الذي يقرأ هذا التفسير يلاحظ أننا نعتمد على علامات معينة في تحديد بدايات ونهايات المجموعات أو المقاطع أو الفقرات، فمثلا رأينا في سورة الأنبياء أن من علامات بداية المجموعة مجيء كلمة (ما) أو (وما) كما رأينا أن كلمة (ولقد) كانت علامة على بدايات بعض المجموعات، أو نهايتها، غير أنه في بعض الحالات تصلح أن تكون علامة أخرى في السورة، علما على بداية مجموعة أو نهايتها، ولو أننا اعتمدنا هذه العلامة فإن السياق في هذه الحالة يعطينا معاني جديدة، غير أننا أضربنا عن الاستقصاء في هذه الشئون لأن ذلك يمل الكثيرين من القراء، ويصعب على الكثيرين استيعابه، وقد ألزمنا أنفسنا- كأصل في هذا التفسير- ألا نخرج عن قراءة حفص، ولو أننا تتبعنا القراءات كلها، وذكرنا ما تعطينا إياه هذه القراءات من معان جديدة وما يؤثره ذكرها على عرض معان جديدة في السياق، لترتب على ذلك أن يكبر هذا التفسير جدا، وأن يغمض كذلك، ولذلك لم نتوسع هذه التوسعات، ولكن أحببنا أن نشير إلى ذلك إشارة ليعلم أن آفاق المعاني في هذا القرآن لا تتناهى، وأن مظاهر الإعجاز، وكثرة المعجزات فيه لا تتناهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>