يمينا ولا شمالا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين، متساعدين، متعاضدين، متناصرين فيه، وأن يؤدوا الشهادة ابتغاء وجه الله فتكون صحيحة عادلة حقا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان، وأمر أن تؤدى شهادة الحق ولو عاد ضررها على صاحبها. فإذا سئلت عن أمر فقل الحق فيه، ولو عادت مضرته عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه، وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم؛ فإن الحق حاكم على كل أحد، وإن كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فأد فيه شهادة الحق، لا ترع غنيا لغناه، ولا تشفق على فقير لفقره، فالله يتولى الجميع، بل هو أولى بهما منك، وأعلم بما فيه صلاحهما. ثم نهى أن يحملنا الهوى والعصبية وبغض الناس عن ترك العدل في أي أمر وشأن، ثم أمر بلزوم العدل على أي حال، فإن العدل هو الأقرب للتقوى، التي هي الهدف، ثم هدد من يحرف الشهادة ويغيرها، ويتعمد الكذب، بعلم الله فيه.
وبهذا ينتهي المقطع، وإذا تذكر الإنسان ذكر الحق في بداية المقطع، وذكر العدل في نهايته، وكثرة ورود التقوى في المقطع، أدرك كيف أن هذا يمثل تجديدا في الأسلوب بالنسبة لما مر معنا من بدايات المقاطع ونهاياتها إذ ينتهي المقطع بما يتضمن موضوع المقطع كله، ليبدأ مقطع جديد على الطريقة الأولى مبدوء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.
[المعنى الحرفي]
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ. أي: محقا فهو حق من الله، وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه وما شرع لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ. أي: بما عرفك وأوحى به إليك. وقال أبو منصور الماتريدي في تفسيرها: بما ألهمك في أصوله المنزلة، وبهذه الآية استدل من جوز الاجتهاد في حقه عليه الصلاة والسلام وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً. أي: ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما، أي ولا تجادل عن الخائنين، وكل معصية خيانة، وكل عاص خائن في معصيته، فلا يجادلن مسلم عن عاص في معصيته
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ. أي: من أي خاطر يخالف ما مر.
إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. غفورا لما يهم به العبد ما لم ينفذه، رحيما بالمسلم إذ لم يكلفه ما لا يطيق.