قدم الألوسي لسورة القلم بقوله:(هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة فقد نزلت- على ما روي عن ابن عباس- اقرأ باسم ربك ثم هذه ثم المزمل ثم المدثر، وفي البحر إنها مكية بلا خلاف فيها بين أهل التأويل، وفي الإتقان استثنى منها إِنَّا بَلَوْناهُمْ إلى يَعْلَمُونَ ومن فَاصْبِرْ إلى الصَّالِحِينَ فإنه مدني حكاه السخاوي، وفي جمال القراء وآيها ثنتان وخمسون آية بالإجماع، ومناسبتها لسورة الملك على ما قيل من جهة ختم تلك بالوعيد، وافتتاح هذه به، وقال الجلال السيوطي في ذلك: أنه تعالى لما ذكر في آخر الملك التهديد بتغوير الماء، استظهر عليه في هذه بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة بطائف طاف عليها وهم نائمون، فأصبحوا ولم يجدوا له أثرا حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق، وإذا كان هذا في الثمار- وهي أجرام كثيفة- فالماء الذي هو لطيف أقرب إلى الإذهاب؛ ولهذا قال سبحانه هنا: وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ وقال جل وعلا هناك: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً إشارة إلى أنه يسري عليه في ليلة كما أسرى على الثمر في ليلة. انتهى، ولا يخلو عن حسن، وقال أبو حيان فيه: إنه ذكر فيما قبل أشياء من أحوال السعداء والأشقياء، وذكر قدرته الباهرة وعلمه تعالى الواسع، وأنه عزّ وجل لو شاء لخسف بهم الأرض، أو لأرسل عليهم حاصبا، وكان ما أخبر به سبحانه هو ما أوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليه الصلاة والسلام وكان الكفار ينسبونه في ذلك مرة إلى الشعر، ومرة إلى السحر، ومرة إلى الجنون، فبدأ جل شأنه هذه السورة الكريمة ببراءته صلى الله تعالى عليه وسلم مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون وتعظيم أجره على صبره على أذاهم وبالثناء على خلقه).
...
[كلمة في سورة القلم ومحورها]
قلنا إن محور سورة القلم هو محور سورة الأعراف، ومحور سورة الأعراف هو القاعدة الكلية التي ختمت بها قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة، وهي قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ودليل ذلك واضح من معاني السورة، ومن التشابه بين آيات فيها وبين سورة الأعراف ففي السورة