١ - في مقدمة سورة البقرة ذكر المتقون، وذكر أنهم هم المفلحون، وذكر الكافرون وأن لهم عذابا عظيما، وذكر المنافقون وأن لهم عذابا أليما، وأنهم اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم، وهاهنا ذكر أن من اجتمعت لهم صفات بعينها هم الخاسرون، فدل ذلك على أن هذه الصفات التي ذكرت هنا صفات مشتركة بين المنافقين والكافرين، وأنهم جميعا فاسقون، وفي الكلام عن الكافرين ذكر الله عزّ وجل أنه ختم على قلوبهم. وفي الكلام عن المنافقين ذكر الله عزّ وجل أنه ذهب بنورهم.
وهاهنا بين الله عزّ وجل أنه لا يضل إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، فعرفنا أنه ما ختم على قلوب الكافرين ولا ذهب بنور المنافقين إلا بسبب من أعمال ارتكبوها وطريق ساروا فيها فاستحقوا من الله ما استحقوا، فهذا أول مظهر من مظاهر صلة الآيتين بما قبلهما.
٢ - مقدمة سورة البقرة ذكرت الذين يهتدون بالكتاب، وهم من اجتمع لهم الإيمان بالغيب، والصلاة والإنفاق. وفي هاتين الآيتين ذكر من لا يهتدي بالكتاب، وهم الناقضون للعهد والقاطعون لما ينبغي وصله، والمفسدون في الأرض، وبالتالي فعلى الراغبين في الهداية أن يفعلوا شيئا، ويتركوا شيئا وكل من الشيئين مفصل محدد، وهذا مظهر ثان من مظاهر الصلة بين هاتين الآيتين وما قبلهما، فبعد أن دلنا الله عزّ وجل على الطريق السالك نحو تقواه وعرفنا على ماهية تقواه وبشر المتقين، دلنا على طريق الضلال ليجتنب وذلك من خلال التعريف به جل جلاله.
٣ - جاءت هاتان الآيتان في سياق قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ورأينا أن الأمر بالعبادة أمر بالمعرفة بالضرورة، وهاتان الآيتان جاءتا معرفتين على الله، ولذلك بدأتا بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا فعرفتانا على الله عزّ وجل أنه يضل وأنه يهدي وأن إضلاله باستحقاق، وذلك كله تعريف على الله وتصحيح لمفاهيم خاطئة عن الله عزّ وجل، فهناك أناس يؤمنون بالله في زعمهم ولكنهم يعتقدون أن الله لا يتدخل في قضايا عباده، أو في شأن توجيههم، وهناك أناس يتصورون أن الله عزّ وجل لا يهتم بشئون عباده وإذا اهتم فضمن حدود، ويرون أن هناك أمورا لا تليق