للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عزّ وجل، قال النسفي: هذا تنبيه للناس، وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم، وقلة فكرهم في العاقبة، وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات، كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار، والبون العظيم بين أصحابهما، وأن الفوز العظيم مع أصحاب الجنة، والعذاب الأليم مع أصحاب النار، فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليه،

ثم قال تعالى معظما لأمر القرآن، ومبينا علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه، لما فيه من الوعد الحق، والوعيد الأكيد لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ قال النسفي: أي: من شأن القرآن وعظمته أنه لو جعل في الجبل تمييز، وأنزل عليه القرآن لخشع، أي: لخضع وتطأطأ وتصدع، أي: تشقق من خشية الله ... والمراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره، قال ابن كثير: أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه، ولهذا قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيعقلون فيخشعون، وبهذا انتهت المجموعة الثالثة وانتهى بانتهائها المقطع الأول.

[كلمة في السياق]

بدأت السورة بقوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ثم عرفتنا على الله عزّ وجل من خلال فعله ببني النضير هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... ثم أمرت المؤمنين بالتقوى، وأمرت بالعمل للآخرة، وذكرت بعدم استواء أهل النار وأهل الجنة، ثم ذكرت بعظمة هذا القرآن، وفي ذلك مطالبة بالخشوع والتقوى، وبعد ذلك يأتي المقطع الثاني وهو يعرفنا على الله- عزّ وجل- من خلال ذكر أسمائه، فالسورة تعرفنا في مقطعها الأول على الله من خلال أفعاله، وتعرفنا على الله في مقطعها الثاني من خلال أسمائه، وفي وسط ذلك يتوجه الخطاب للمؤمنين بالتقوى، والعمل للآخرة، والخشوع وقد فصلت السورة في أخلاق المتقين والكافرين والمنافقين ضمن سياقها الخاص، ولنا عودة على هذا الموضوع فيما بعد. فلنر الآن المقطع الثاني.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>