للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تثبيطا قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ هذا استجهال لهم لأن من تصون من مشقة ساعة، فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد، كان أجهل من كل جاهل

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً أي يضحكون قليلا على فرحهم بتخلفهم في الدنيا، ويبكون كثيرا جزاء في العقبى. إلا أنه أخرج بلفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب، لا يكون غيره، وقد دلت الآية على أن فرحهم بالتخلف والقعود بالغ الغاية، فسيعاقبهم الله بما يقابل هذا الفرح جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي جزاء على كسبهم السيئ الذي هو أعمال النفاق

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أي ردك من نفيرك إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ لم يقل إليهم جميعا لأن منهم من يتوب من النفاق ويصلح حاله فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ إلى غزوة أخرى فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا هذه أول العقوبات المعنوية: منعهم من شرف الجهاد إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي أول ما دعيتم إلى النفير فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ أي مع من سيتخلف

وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ أي من المنافقين ماتَ أَبَداً هذه هي العقوبة الثانية ألا يصلي على المنافقين صلاة الجنازة وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ أي ولا تقف على قبره داعيا له إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ هذا تعليل للنهي عن الصلاة عليهم، والوقوف على قبرهم، أي إنهم ليسوا بأهل للصلاة عليهم، لأنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا على ذلك

وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ هذه الآية قد تقدم مثلها، وفي حكمة تكريرها قال النسفي: التكرير للمبالغة والتأكيد وأن يكون على بال من المخاطب لا ينساه، وأن يعتقد أنه مهم، ولأن كل آية في فرقة غير الفرقة الأخرى فهذه العقوبة المعنوية الثالثة احتقار ما هم فيه من متاع،

ثم زادنا الله بيانا عنهم وعن مواقفهم وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ يجوز أن يراد سورة بتمامها، وأن يراد بعضها، كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ أي آمرة بذلك اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ أي ذو اليسار والسعة مِنْهُمْ أي من المنافقين وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ أي مع الذين لهم عذر في التخلف كالمرضى والزمنى

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ الخوالف جمع خالفة، والخالفة المرأة، أي رضوا بأن يكونوا مع النساء وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ أي ختم عليها لاختيارهم الكفر والنفاق فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ أي ما في الجهاد من الفوز والسعادة، وما في التخلف من الهلاك والشقاوة

لكِنِ أي إن تخلف هؤلاء المنافقون عن الجهاد فقد نهض إلى الغزو

<<  <  ج: ص:  >  >>