للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استهزاء به، وتسلية) فقد فهم النسفي إذن أن هذا رد على اقتراحهم المذكور في بداية هذا المقطع، فطلب الآية فيه التنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بصدقه، ومن ثم لفت الله نظرهم إلى هذا، ولفت نظرهم إلى ما أنزله الله من عقوبات بأمثالهم ليريهم خطأ هذا الذي هم عليه، وأنه إن كانت سنته الإملاء، فسنته بعد الإملاء الأخذ، وفي ذلك تهديد ووعيد ورد،

ثم تأتي الآية اللاحقة وفيها ذكر قيوميته تعالى، وذكر استحقاقهم العقوبة بشركهم، وذكر سنته فيمن يريد إضلاله، وفي ذلك آيات لمريد الإيمان:

أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ أي حفيظ عليم رقيب عَلى كُلِّ نَفْسٍ صالحة أو طالحة بِما كَسَبَتْ من خير أو شر لا تخفى عليه خافية، والتقدير: أفمن هو كذلك هل هو كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ولا تملك نفعا لأنفسها ولا لعابديها ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وقد حذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو ما يأتي وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أي أصناما وأندادا وأوثانا قُلْ سَمُّوهُمْ أي أعلمونا بهم، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا، فإنهم لا حقيقة لهم، ولذلك قال:

أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أي بل أئنبّئونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض، وهو العالم بما في السموات والأرض فإذا لم يعلمهم، علم أنهم ليسوا بشيء، والمراد نفي أن يكون له شركاء، والمعنى: أتخبرونه في حالة تسميتهم آلهة بما لا وجود له؛ لأنه لو كان لها وجود في الأرض لعلمها، لأنه لا تخفى عليه خافية أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، فأي سخف هذا السخف؟ أن يعطى لشئ اسم ليس له حقيقة، ويعامل على أساس أن اسمه حقيقة بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ أي كيدهم للإسلام، أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ أي عن سبيل الله، فالله لا يوفقهم لسلوك سبيله جزاء لهم على ما هم عليه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أي من أحد يقدر على هدايته، وفي هاتين الآيتين رد ضمني على اقتراحهم الآيات بإقامة الحجة عليهم

ببطلان ما هم فيه، من تسويتهم الله بخلقه، وسيرهم في غير طريقه، وصدهم عن سبيله، فاستمرارهم على ما هم عليه من الباطل، ورفضهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه الدليل على سفههم، وقد علمنا من خلال العرض سببا من أسباب استحقاق الإنسان الضلال، وهو اتخاذه لله شريكا،

وبعد إقامة الحجة يأتي الإنذار: لَهُمْ أي الكافرين عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بالقتل والأسر بأيدي المؤمنين، أو بأنواع المحن والبلايا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أي المدخر لهم أَشَقُّ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>