للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة، أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف (أي: في ذلك اليوم)

قال تعالى مبشرا لهم أنه سيعطيهم ما أملوه: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ أي: صانهم من شدائده وَلَقَّاهُمْ أي: أعطاهم بدل عبوس الكفار في ذلك اليوم نَضْرَةً أي: حسنا في الوجوه وَسُرُوراً أي: فرحا في القلوب،

وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا أي: بسبب صبرهم جَنَّةً أي: بستانا فيه مأكل هنيء وَحَرِيراً أي: ملبسا بهيا، قال ابن كثير في الآية: أي: منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا، أقول: دلت الآية على أنه بتحققهم بمقام الصبر نالوا ما نالوا بصبرهم على الطاعات، وصبرهم عن المعاصي، وصبرهم على مكارم الأخلاق، وصبرهم على الابتلاءات

مُتَّكِئِينَ فِيها أي: في الجنة عَلَى الْأَرائِكِ جمع أريكة وهي متكآتهم على الأسرة لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً الزمهرير: البرد الشديد، وقيل: القمر، وعلى القول الأخير

يكون معنى الآية: إن الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس ولا قمر، وعلى القول الأول يكون معنى الآية كما قال ابن كثير: أي: ليس عندهم حر مزعج، ولا برد مؤلم، بل هي مزاج واحد، دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا، وقال النسفي في الآية: لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم، وهواؤها معتدل لا حر شمس يحمي، ولا شدة برد تؤذي

وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها أي: قريبة منهم ظلال أشجارها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا قال النسفي: سخرت للقائم والقاعد، والمتكئ، وقال ابن كثير: (أي: متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع ... قال مجاهد: إن قام ارتفعت معه بقدر، وإن قعد تذللت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها ... وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد)

وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ أي: من فضة، والكوب هو الكوز الذي لا عروة لها ولا خرطوم، قال ابن كثير: أي: يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام، وهي من فضة، وأكواب الشراب، وهي من فضة كانَتْ أي: هذه الأكواب قَوارِيرَا قال ابن كثير: قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج، والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة، وهي مع هذا شفافة بدا ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا،

ثم فسر الله عزّ وجل هذه القوارير بقوله:

قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً أي: جعلها السقاة على قدر ري شاربها، فهي

<<  <  ج: ص:  >  >>