للإحسان دخلا في العبادة، وفي العشرة مع الوالدين، وفي التعامل مع أهل الإيمان، وفي المراقبة، وفي الصلاة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الصبر والتواضع، وفي ترك تصعير الخد، وترك المشي المرح، وأنّ من الإحسان القصد في المشي، وغض الصوت في الكلام، وكلها آداب، وهي مظاهر من الإحسان والهداية، وهذا مظهر جديد من مظاهر صلة قصة لقمان عليه السلام بالسياق.
وهناك مظهر آخر. لقد وجّهنا الله تعالى من خلال قصة لقمان عليه السلام هذه التوجيهات التي جاءت في معرض وصية الوالد للولد. وهذا مظهر من مظاهر حكمة هذا القرآن؛ إذ يوجّه عن طريق الوصف، والقصة، وبشكل مباشر، وبشكل غير مباشر، وبالأمر أحيانا، وبالعرض أحيانا، وبالإخبار أحيانا. فالقصة إذن برهان جديد على حكمة هذا القرآن.
٢ - جاء في سورة البقرة قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وقد عرض الله عزّ وجل علينا في قصة لقمان نموذجا لإنسان آتاه الله الحكمة وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ فمن عرف هذه المعاني التي جاءت هنا، وتحقّق بها، وألزم نفسه النّصح بها لأولاده وللعامّة فإنّه حكيم، وإذن فقد أعطانا الله عزّ وجلّ بهذه الآيات ميزانا نزن به حكمة الحكماء، ونتعرّف بذلك على من وفّقه الله تعالى فآتاه الحكمة.
[فوائد]
١ - [هل كان لقمان نبيا أم عبدا صالحا من غير نبوة؟]
بمناسبة ذكر لقمان عليه السلام في السورة قال ابن كثير:
(اختلف السلف في لقمان عليه السلام هل كان نبيا، أم عبدا صالحا من غير نبوة؟ على قولين الأكثرون على الثاني، وقال سفيان الثوري عن الأشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدا حبشيا نجّارا. وقال قتادة عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله: ما انتهى إليكم في شأن لقمان؟ قال: كان قصيرا أفطس الأنف من النّوبة، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: كان لقمان من سودان مصر، ذو مشافر، أعطاه الله الحكمة، ومنعه النّبوة، وقال الأوزاعي:
حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد بن المسيب: لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا