٢ - وأما صلة هذا الجزء بما قبله مباشرة فإنه زيادة على ما ذكرناه من قبل نذكر رابطتين جديدتين:
الرابطة الأولى: هي أنه لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أمر كذلك أن يعلن أنه حتى لنفسه لا يملك شيئا فقال: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قال ابن كثير بعد أن فسر الآية السابقة على هذه الآية: أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحدا.
الرابطة الثانية: هناك اتجاه عند المفسرين يربط بين قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً وبين إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ أي:
لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات وتكون في هذه الحالة آية قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً معترضة بين الآيتين.
٣ - فصل الأمر الثالث في محور السورة في أكثر من جانب، فقد فصل في نوع العذاب العظيم للكافرين، وذكر بعض أسباب الإصرار على الكفر، وهي كثرة الجند وقوة الناصر في الدنيا، كما فصل في أن الإنذار وإن كان لا يؤثر في الكافرين فإنه فريضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينجو من عذاب الله إلا إذا قام به، فمعرفة عدم استفادة الكافرين من الإنذار شئ والقيام بالتبليغ شئ آخر.
٤ - وبعد أن ذكر الله عزّ وجل (ما يوعدون) في قوله: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ يأتي الأمر الرابع.
[الأمر الرابع]
قُلْ إِنْ أي: ما أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ من العذاب أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً أي: غاية بعيدة، قال النسفي: يعني إنكم تعذبون قطعا ولكن لا أدري أهو حال أم مؤجل، وقال ابن كثير:(يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد)
عالِمُ الْغَيْبِ أي:
الله وحده عالم الغيب، ومن ثم فهو وحده عالم متى تقوم الساعة، ومتى يعذب هؤلاء الكافرون فَلا يُظْهِرُ أي: فلا يطلع عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من خلقه
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أي: إلا رسولا ارتضاه، فيعلمه بعض الغيب؛ ليكون إخباره عن الغيب معجزة له، والرسول هنا يعم الرسول الملكي والبشري، كما قال ابن كثير: