وَالْأَرْضِ أي هو خالقه ومالكه ومن جملة ذلك المسيح وعزير والولادة تنافي الملك كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ أي منقادون لا يمتنع شئ منهم على تكوينه وتقديره فهم مطيعون عابدون مقرون بالربوبية منكرون لما أضافوا إليهم
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مخترعهما لا على مثال سبق وَإِذا قَضى أَمْراً أي حكم أو قدر فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي احدث فيحدث وهو من كان التامة وهذا مجاز عن سرعة التكوين.
فالمعنى أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف، كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه إباء وأكد بهذا استبعاد الولادة. لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت صفاته مباينة لصفات الأجسام فأنى يتصور التوالد ثم، وإنما قالوا بأن (كن) أمر مجازي لأنه لا فرق بين أن يقال وإذا قضى أمرا فإنما يكونه فيكون وبين أن يقال فإنما يقول له كن فيكون. ولأنه لو كان أمرا على الحقيقة فإما أن يخاطب به الموجود والموجود لا يخاطب بكن أو المعدوم والمعدوم لا يخاطب. أقول: إنما يضطر العالم للخوض في مثل هذا إذا وجد من يجادل أما إذا وجد ذو القلب فإنه يتلقى مثل هذا بالتسليم ويترك الخطاب في قلبه من الأثر ما لا تتركه كلمة أخرى وسنعقد لهذا الموضوع فصلا.
أخرج البخاري في تفسير قوله تعالى وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ... عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي: فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله: إن لي ولدا، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا» وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم».
[كلمة في السياق]
جاءت هذه المقولة في سياق عرض أمهات من القضايا الرئيسية عند أهل الكتاب، أو الكافرين عامة؛ لتعميق فكرة عدم التلقي عنهم، والاقتداء بهم كيف وهذا شأنهم في الضلال والكفر وإيذاء الله تعالى. والملاحظ أنه في سياق المقطع الذي هو خطاب لبني إسرائيل تذكر مقولات لهم، أو لغيرهم، أو لهم ولغيرهم، مما يشير إلى أن السياق يريد أن يوصل في قلوب هذه الأمة موقفا من الكفر عامة. فالمقطع في الأصل آت في سياق عرض نموذج على موقف من هدى أنزل على أمة من قبل. ثم تأتي بعد ذلك مقولة أخرى.