ومن هذا القبيل، وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها. ما جاء في الصحيح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ملعون من سب والديه». قالوا: يا رسول الله، وكيف يسبّ الرجل والديه؟ قال:«يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه».
أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم».
ومن ثم فإن الداعية إلى الله عليه أن يكون دقيقا جدا في طرق الخطاب وفي مواقفه وفي مناقشاته. ففي كثير من الأحيان لا يؤدي التجريح المباشر والمواجهة به إلى خير في نقل الإنسان من حالة إلى حالة أطيب وأكرم، ووضع الأمور في مواضعها هو الحكمة، والحكمة معنى زائد على العلم، ومعرفة الحكم الشرعي.
[كلمة في الفقرة الأولى]
١ - مرّت معنا مقدمة المقطع الأول، وفيها عرض لمظاهر قدرة الله، وعرض لبعض ما سخّره الله للإنسان، ثمّ جاءت الفقرة الأولى تحدثنا عن شرك المشركين، فكأن السياق يقول: إنه مع كل مظاهر القدرة ومظاهر العناية يوجد مشركون، وهذا يذكّرنا بالآية الأولى من سورة الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فالسورة إذن سائرة على نسق واحد وسياق واحد.
٢ - رأينا أن محور سورة الأنعام هو قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ وقد رأينا كيف أن الفقرة ناقشت الكافرين بظاهرة الخلق:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ فالفقرة إذن تفصّل في محور السورة من البقرة.
٣ - ووحدة الفقرة واضحة في كونها تقيم الحجة على الكافرين، وتثبّت أهل الإيمان على اليقين، وتأمرهم باتباع وحي الله والإعراض عن الجاهلين وتنهاهم أن يتسببوا بإيذاء الله ولو بسبّ آلهة المشركين، وإذا عرفنا أن الفقرة بدأت بالحديث عن الشرك وهو إيذاء لله- عزّ وجل- وانتهت بالنهي عن سب آلهة المشركين إذا تسبّب عن ذلك سبّ لله وإيذاء له، أدركنا الصلة بين بداية الفقرة ونهايتها.
٤ - يلاحظ أن الفقرة أقامت الحجة على الكافرين والمشركين بصور متعدّدة من خلال ظاهرة الخلق، ومن خلال الحديث المدهش عن الكمال والجلال والجمال للذات