للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ أي سليمان سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أي في إخبارك هذا أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ أي في مقالتك، لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك، وفي ذلك درس جديد من دروس الحكم؛ أن يتثبت الحاكم من كل خبر يلقى إليه، سواء كان عن أوضاع خارجية أو داخلية.

ثم قال سليمان للهدهد: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا دل على أن سليمان قد كتب كتابا سنعرف صيغته فيما بعد فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ أي إلى بلقيس وقومها ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ أي ثم تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه منك مسموعا فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ أي فانظر ما الذي يردونه من الجواب، وفي ذلك درس آخر من دروس الحكم، وهو أن تكون التعليمات واضحة للمكلف بمهمة، وأن تكون تصرفات العدو الخارجي معروفة من قبل الحاكم المسلم دون أن يشعر العدو

قالَتْ لقومها بعد إذ قام الهدهد بمهمته يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ أي حسن مضمونه وما فيه، أو مختوم، أو لأنه من عند ملك كريم،

ثم بينت مضمون الكتاب، واسم مرسله فقالت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ أي لا تترفعوا علي ولا تتكبروا وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ أي مؤمنين أو منقادين. ومن معرفتنا لمضمون الكتاب ندرك أدبا من آداب الحكم وهو الاختصار في المراسلات الخارجية، مع الوضوح، ومن تلقي بلقيس الكتاب بمثل هذا الأدب، ندرك أننا أمام ملكة عاقلة، ومملكة عريقة، إذ لا يتأتى مثل هذا الأدب السياسي إلا باجتماع هذين، ومن فحوى رسالة سليمان عليه السلام ندرك أن الحاكم المسلم عليه أن يخضع من يستطيع إخضاعه لسلطان الله، كما ندرك من كلام الهدهد السابق، ومن تصرف سليمان، أن ملك سليمان ونفوذه امتد خارج حدود فلسطين امتدادا واسعا

قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ الملأ: هم أشراف القوم وأولو الرأي فيهم أَفْتُونِي فِي أَمْرِي أي أشيروا علي في الأمر الذي نزل بي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً أي ما كنت فاصلة أو مقررة حكما حَتَّى تَشْهَدُونِ أي حتى تحضروني، أو حتى تشيروا علي، أو حتى تشهدوا أنه صواب، أي لا أبت الأمر إلا بمحضركم، وهذا يدل على أنها جمعت أولي الرأي من قومها بعد

وصول الرسالة، كما يدل على عراقة المملكة، إذ لها مجلس شوراها، ومن كلام بلقيس ندرك أنها تعتبر شوراهم ملزمة لها، وذلك دليل كذلك على تعقلها في الأمور

قالُوا مجيبين لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ أرادوا بالقوة قوة الأجساد والآلات، وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ أي موكول إليك، ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك، نطعك ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>