الْمَوْتِ. أي: في شدائده وسكراته وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ. أي:
يبسطون أيديهم بالعذاب يقولون: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ. أي: هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم وفي هذا تصوير للتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ المراد باليوم وقت الإماتة وما يعذّبون به من شدّة النّزع، والهون الهوان الشدّيد والمعنى: اليوم تهانون غاية الإهانة بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِ من أنّ له شريكا أو ولدا، أو أنه لا يرسل رسلا ولم ينزل كتبا، أو تزعمون أنّه أنزل عليكم ولم ينزل وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تؤمنون بها ولا تنقادون لها
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى هذا يقال لهم يوم القيامة. ومعنى فرادى منفردين بلا مال ولا معين كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. أي: على الهيئات التي ولدتم عليها في الانفراد وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ. أي: ما ملّكناكم وَراءَ ظُهُورِكُمْ فلم تحملوا منه نقيرا وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ.
أي: في استعبادكم وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والشركاء؛ ظانّين أنّها تنفعهم في معاشهم ومعادهم على حسب نوع المشركين والشركاء لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ. أي: لقد وقع التّقطّع بينكم وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. أي: وضاع وبطل عنكم ما كنتم تزعمون أنّ ما عبدتموه شفيع لكم.
فائدة:[نقل كلام ابن كثير في قوله: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ ... ]
بمناسبة قوله تعالى: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ .. ينقل ابن كثير ما يلي: ثبت في الصحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأبقيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس».
وقال الحسن البصري: يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج (أي ولد الضأن) فيقول الله- عز وجل- أين ما جمعت؟ فيقول: يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان.
فيقول له: يا ابن آدم أين ما قدّمت لنفسك؟! فلا يراه قدمّ شيئا، وتلا هذه الآية وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ الآية. رواه ابن أبي حاتم.