حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله عزّ وجل، وقد ورد في الصحيح:«والشر ليس إليك»)، أقول: عرفوا ما يترتب على إرسال الرسول من سعادة لمن اتبعه، وعذاب لمن خالفه، ولم يعرفوا كيف يكون موقف البشرية من الرسالة الجديدة فقالوا ما قالوه، مراعين كمال الأدب، والعجيب أنهم أدركوا ببداهة الفطرة ما لا يدركه الآن كثيرون ممن يعيشون في أرض الإسلام.
وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه، أو أرادوا غير الصالحين كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً أي: كنا ذوي مذاهب متفرقة، أو أديان مختلفة، أقول: هذا يشير إلى أن من الجن من أدركهم عصر النبوة وهم على الدين الصحيح دين عيسى عليه السلام، وأن منهم منحرفين مرتدين، وقد أدركوا هذه الحقيقة من سماعهم للقرآن فعرفوا بميزان القرآن من هم الصالحون ومن ليسوا كذلك، والعجيب أنهم عرفوا خلال فترة وجيزة ميزان الصلاح وغيره، وكثير من المسلمين الآن يلتبس عليهم الأمر فيعطون لقب الصلاح لمن ليس صالحا أو العكس.
٩ - وَأَنَّا ظَنَنَّا أي: أيقنا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ أي: لن نفوته كائنين في الأرض، أينما كنا فيها وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً قال النسفي: أي: ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء، قال ابن كثير: أي: نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنا في الهرب، فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا.
أقول: لقد عرفوا الله عزّ وجل حق المعرفة، وعرفوا أنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
١٠ - وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى أي: القرآن آمَنَّا بِهِ أي: بالقرآن، قال ابن كثير: يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة، أقول: في قولهم هذا إعلام لقومهم بوصفهم الجديد، وتشجيع لقومهم في الدخول فيما دخلوا به، بدليل ما بعده فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً أي: نقصا من ثوابه وَلا رَهَقاً أي: ولا ترهقه ذلة فهو لا يخاف أن ينقص من حسناته، أو يحمل عليه غير سيئاته، فالرهق هنا الحمل.
١١ - وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ أي: المؤمنون المستسلمون لله ورسوله، الداخلون في دين الإسلام، وَمِنَّا الْقاسِطُونَ وهم الجائرون عن الحق الناكبون عنه بخلاف المقسطين، فإنهم العادلون، قال النسفي: (قسط: جار، وأقسط: