يرخّص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر، ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها
ثم قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ أي تواضع لهما بفعلك. والمعنى: واخفض لهما جناحك الذليل من الرحمة، أي من فرط رحمتك لهما، وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، وفسّرها الزّجّاج بقوله: وألن جانبك متذللا لهما من مبالغتك في الرحمة لهما وَقُلْ أي في كبرهما وعند وفاتهما رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. قال النسفي: والمراد بالخطاب غيره عليه السلام، والدعاء مختص بالأبوين المسلمين (أي بعد الوفاة) أقول: يدعو للأبوين الكافرين وهما حيّان بالهداية. أما بعد الوفاة فلا يجوز الاستغفار لهما إلا بشرط الإيمان، كما مر معنا في سورة التوبة
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ أي بما في ضمائركم، ومن ذلك ما يفيد السياق: من قصد البر إلى الوالدين، ومن النشاط والكرامة في خدمتهما إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ في نيّاتكم وأعمالكم، أي قاصدين الصلاح فيهما فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ الأوّاب: الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة غَفُوراً هو عام في كل من فرطت منه جناية ثم تاب منها، ويندرج تحته الجاني على أبويه، التائب من جنايته لوروده على أثره، كما يفهمه السياق، ومن ثمّ فسّر الآية سعيد بن جبير: أنّها في الرّجل تكون منه البادرة إلى أبويه: وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به. وفي رواية: لا يريد إلا الخير. وفي تفسير كلمة الأوّابين أكثر من رأي سنراه في الفوائد.
ثمّ لمّا ذكر تعالى برّ الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة، وصلة الرحم، وإيتاء المساكين وأبناء السبيل فقال: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أي ذا القرابة منك أيها المكلف حقّه، وحقّه المفروض هو النفقة إذا كانوا محارم فقراء والمواساة لكل ذي قربى إذا وجد الاحتياج وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ أي وآت هؤلاء حقوقهم وحقوقهم المفروضة إنما هي الزكاة والمواساة عند المتربة والمخمصة. ثم لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطا فقال: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي ولا تسرف إسرافا.
ثم قال: منفّرا عن التبذير والسرف إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أمثالهم وأشباههم في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه، ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته، فما ينبغي أن يتشبّه به ولا أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله،