للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخاف الله أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك، لمّا تبدى لها الملك في صورة بشر، وهي في مكان منفرد، وبينها وبين قومها ستر، خافته وظنّت أنه يريدها على نفسها فذكّرته بالله. وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل، فخوّفته أولا بالله عزّ وجل

قالَ جبريل إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ أمّنها بهذا مما خافت، وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به. ثمّ بيّن لها حكمة إرساله لِأَهَبَ لَكِ بإذن الله، أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع أي في الثوب غُلاماً زَكِيًّا أي طاهرا من الذنوب، أو ناميا على الخير، فتعجّبت مريم من هذا

وقالَتْ أَنَّى أي كيف يَكُونُ لِي غُلامٌ أي ابن وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أي زوج بالنكاح وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أي زانية فاجرة تبغي الرجال، أي تطلب الشهوة من أي رجل كان، ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين، أي على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ولست بذات زوج؟ ولا يتصور مني الفجور؟

قالَ أي جبريل كَذلِكِ أي الأمر كما قلت لم يمسسك رجل نكاحا ولا سفاحا، ولكنّ الله قادر قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي إعطاء الولد بلا أب عليّ سهل وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أي فعلنا ذلك لنبيّن لهم قدرتنا، ولنجعله للناس آية أي عبرة وبرهانا على قدرتنا. قال ابن كثير: (أي دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم، الذي نوّع في خلقهم فخلق أباهم من غير ذكر أو أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى إلا عيسى فإنه من أنثى، بلا ذكر. فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه. فلا إله غيره، ولا رب سواه) وكما هو آية فكذلك هو رحمة. ومن ثم قال: وَرَحْمَةً مِنَّا أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبيا من الأنبياء، يدعو إلى عبادة الله وتوحيده وَكانَ أي خلق عيسى أَمْراً مَقْضِيًّا أي مقدّرا مسطورا في اللوح، أي قد قضى الله هذا فليس منه بد. قال ابن كثير: (يحتمل أن هذا من تمام كلام جبريل لمريم، يخبرها أن هذا أمر مقدّر في علم الله تعالى. وقدره ومشيئته.

ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنه كنّى بهذا عن النفخ فيها».

فَحَمَلَتْهُ أي عيسى عليه السلام فَانْتَبَذَتْ بِهِ أي اعتزلت وهو في بطنها مَكاناً قَصِيًّا أي بعيدا من أهلها.

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ أي فجاء بها المخاض، أو فألجأها المخاض أي الطلق إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ أي إلى أصلها. أي فاضطرها وألجأها الطلق إلى جذع النخلة في المكان الذي تنحّت إليه قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا أي قبل هذا اليوم، قالت ذلك جزعا مما أصابها، وخوفا من كلام الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>