وَالنَّهارِ ... تارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتقارضان، وهذا يجئ ثم يعقبه الآخر، ضمن نظام دقيق عجيب. وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ الفلك: السفن. وتطلق على المفرد والجمع. أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء، وما عند أولئك إلى هؤلاء. وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي: وما أنزل الله من السحاب من مطر فأحيا بالماء الأرض من بعد يبسها. وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أي: وفرق فيها من الدواب من كل الأنواع والأصناف، مختلفة الأشكال والألوان والمنافع والصغر والكبر.
وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ضمن نظام دقيق عجيب. وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ المسخر: المذلل المنقاد لمشيئة الله. لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: لدلالات بينة على وحدانية الله لمن ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون فيستدلون بهذه الأشياء على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها.
[فوائد]
١ - عند قوله تعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ قال القرطبي:
«هذه الآية وما كان مثلها دليل على جواز ركوب البحر مطلقا، لتجارة كان أو عبادة كالحج والجهاد» وبعد أن ذكر بعض النصوص التي تفيد ذلك قال: «ففيه دليل واضح على ركوب البحر في الجهاد للرجال والنساء. وإذا جاز ركوبه للجهاد، فركوبه للحج المفترض أولى وأوجب». ثم بعد مناقشات قال:(قلت: فدل الكتاب والسنة على إباحة ركوبه للمعنيين جميعا: العبادة والتجارة، وفيهما الحجة، وفيهما الأسوة. إلا أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم. فرب راكب سهل عليه ذلك ولا يشق، وآخر يشق عليه ويضعف به، كالمائد المفرط الميد. حتى لم يقدر معه على أداء فرض الصلاة ونحوها من الفرائض: فالأول ذلك له جائز، والثاني يحرم عليه ويمنع منه، ولا خلاف بين أهل العلم .... أن البحر إذا ارتج لم يجز ركوبه لأحد بوجه من الوجوه في حين ارتجاجه، ولا في الزمن الذي الأغلب فيه عدم السلامة. وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمن، السلامة فيه الأغلب. فإن الذين يركبونه حال السلامة وينجون لا حاصر لهم.