ولقد وردت قضية الميثاق والإفساد في الأرض كما رأينا. أفلا يكون هذا دليلا على ما ذهبنا إليه من أنّ محور السورة ما ذكرنا.
وبعد المقطع الأول والمقطع الثاني يأتي مقطع ثالث يحدثنا عما تنحسم به مواد الإفساد في الأرض، بعد ما سبق من كلام عن حدّ الحرابة، وبعد ما جاء من دروس في تقاعس بني إسرائيل عن الجهاد. وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن المقطع الثالث فلننقل بعض النقول ولنذكر بعض الفصول التي لها صلة في المقطع الثاني:
نقول:[عن صاحب الظلال حول تسلل الانحراف إلى عقائد النصارى]
١ - رأينا أن الفقرة الأولى من المقطع الثاني كان فيها حديث عن النصارى وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ*. وقد تحدث صاحب الظلال حديثا طويلا حول الانحراف الذي تسلّل إلى النصارى ومراحله فقال: «إن الذي جاء به عيسى- عليه السلام- من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل رسول. والإقرار بالعبودية الخالصة لله شأن كل رسول ..
ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت عليها التحريفات، بسبب دخول الوثنيين في النصرانية؛ وحرصهم على رواسب الوثنية التي جاءوا بها ومزجها بعقيدة التوحيد، حتى لم يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية جوهر العقيدة منها. ولم تجئ هذه الانحرافات كلها دفعة واحدة؛ ولكنها دخلت على فترات؛ وأضافتها المجامع واحدة بعد الأخرى؛ حتى انتهت إلى هذا الخليط العجيب من التصورات والأساطير، الذي تحار فيه العقول. حتى عقول الشارحين للعقيدة المحرفة من أهلها المؤمنين بها!.
وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد المسيح- عليه السلام- في تلامذته وفي أتباعهم.
وأحد الأناجيل الكثيرة التي كتبت- وهو إنجيل برنابا- عن عيسى- عليه السلام- يذكره بوصفه رسولا من عند الله، ثم وقعت بينهم الاختلافات. فمن قائل: إن المسيح رسول من عند الله كسائر الرسل. ومن قائل: إنه رسول نعم، ولكن له بالله صلة خاصة.
ومن قائل: إنه ابن الله لأنه خلق من غير أب، ولكنه على هذا مخلوق لله. ومن قائل: