مرجع ذلك إليه لأوقعت بكم ما تستحقونه من العذاب، ولكن الأمر لله، وهو الأعلم بالظالمين، ثمّ بيّن تعالى إحاطة علمه بالغيب كله، وبجميع الموجودات برّيّها وبحريّها، لا يخفى عليه من ذلك شئ، ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ويعلم الحركات حتى من الجمادات، فما ظنك بالحيوانات ولا سيما المكلفون منهم من جنّهم وإنسهم؟
ثمّ بيّن تعالى أنّه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، ويعلم ما كسبوه من الأعمال بالنهار، مبيّنا بذلك إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وحركتهم، وأنّه إذ يتوفى عباده في منامهم، ويبعثهم من موتهم الأصغر هذا، فمن أجل أن ينال كل واحد أجله الذي كتبه له، ثم المرجع إلى الله، ثم يخبر الجميع بأعمالهم، ويجزيهم على ذلك. والنّوم والاستيقاظ أثر من آثار قهر الله لعباده؛ إذ لا يستطيعون الخروج عن سننه، فالجولة كلها عرض لآثار قهر الله وعلمه وحكمته، ومناقشة للكفرة بالله ورسله، وعرض لما أعدّ الله لهم من عذاب يوم القيامة وسنعرض الجولة على مجموعات لطولها.
[المعنى الحرفي]
[المجموعة الأولى]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ القهر: بلوغ المراد بمنع الغير من بلوغه والمعنى:
وهو الغالب المقتدر العالي على عباده وَهُوَ الْحَكِيمُ في تنفيذ مراده الْخَبِيرُ بمن يستحق القهر من عباده
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. أي: من أعظم الأشياء شهادة؟ الجواب: الله أكبر شهادة، والله الأكبر شهادة شهيد بين رسوله وبين الكافرين على أن محمدا رسول الله وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. أي: لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به من بلغه هذا القرآن إلى قيام الساعة، ومجئ هذا النص بعد ذكر شهادة الله يوحي أن من شهادة الله لرسوله إنزاله هذا القرآن المعجز عليه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى في هذا الاستفهام معنى الإنكار والتبكيت قُلْ لا أَشْهَدُ. أي: بما تشهدون به وإنما أشهد على وحدانيته قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فليس هناك من إله معه؛ ومن ثمّ فإننا لا نعطي صفات الألوهية، أو خصائصها، أو حقوقها لأحد سواه وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى يَعْرِفُونَهُ. أي: يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحليته ونعته الثابتين في الكتابين (كما فصلنا ذلك في الفصل الخامس من كتابنا «الرسول» من سلسلة الأصول