جَهَنَّمُ أي هي منقلبه ومصيره يوم معاده وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هذا المصير الذي صار إليه بسبب توليه يوم الزحف، وإذ استقر وجوب عدم الفرار إلا في حالتين: حالة المخادعة. وحالة الالتحاق.
فقد بين الله بعد ذلك أنه هو الفاعل من خلال ما حدث يوم بدر، ليعطي المسلم ثقة وطمأنينة بالثبات فقال فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ رميتك التي فعلت ما فعلت وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وفي هذا والذي قبله في هذه الآية دليل لأهل السنة والجماعة على أن كل شئ بقدرة الله وفعله كما هو بإرادته وعلمه وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ أي وليعطيهم منه بَلاءً حَسَناً أي عطاء جميلا والمعنى: وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل، وما فعل ما فعل إلا لذلك إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ أي لدعاء المؤمنين وشكرهم عَلِيمٌ بما عليه الخلق أجمعون،
ثم بشر الله عزّ وجل المؤمنين بقوله ذلِكُمْ أي البلاء الحسن للمؤمنين وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ أي مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ أي حقدهم وتخطيطهم، دل هذا والذي قبله على أن سنة الله عزّ وجل إبلاء المؤمنين أي إعطاؤهم، وتوهين كيد الكافرين، ولترتفع معنويات المؤمنين فيثبتوا، خاطب الله الكافرين ليعلم المؤمنين
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر عليكم وَإِنْ تَنْتَهُوا عن عداوة الإسلام وأهله فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي فالانتهاء خير لكم وأسلم وَإِنْ تَعُودُوا لمحاربة الإسلام وأهله نَعُدْ أي لنصرة الإسلام وأهله عليكم وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً أي جمعكم مهما جمعتم شيئا وَلَوْ كَثُرَتْ أي عددا وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أي ولأن الله مع المؤمنين بالنصر كان ذلك.
[مسألة مهمة]
من المسائل التي ينبغي أن يعرفها كل مسلم مسألة «متى يجوز للمسلم أن يولي الكافرين ظهره» فالآية ذكرت حالتين: حالة التحرف للقتال من باب خديعة العدو، وحالة التحيز إلى فئة، وهذه الحالة من أكثر القضايا غموضا، ولذلك فإننا سنذكر في شأنها مختصرا ثم ننقل ما نقله صاحب الظلال عن الجصاص ثم نكر على هذا الموضوع في الفوائد ليتضح:
لنفرض أن للمسلمين دولة وإماما، وأن لهم عاصمة، ولنفرض أن جيشا للمسلمين لا يبلغ اثني عشر ألفا، ووجه بما لا طاقة له به، كأن كان عدده خمسة آلاف، وكان عدد الخصم أحد عشر ألفا، وكان القتال يدور بعيدا عن عاصمة المسلمين، ففي هذه