قال الألوسي عند قوله تعالى فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ:(تفويض الأمر إلى رأيه صلى الله عليه وسلم؛ واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه صلى الله عليه وسلم، وهذه مسئلة التفويض المختلف في جوازها بين الأصوليين، وهي أن يفوض الحكم إلى المجتهد فيقال له: احكم بما شئت فإنه صواب، فأجاز ذلك قوم، لكن اختلفوا، فقال موسى بن عمران: بجواز ذلك مطلقا للنبي وغيره من العلماء، وقال أبو علي الجبائي: بجواز ذلك للنبي خاصة في أحد قوليه، وقد نقل عن الإمام الشافعي عليه الرحمة في الرسالة ما يدل على التردد بين الجواز والمنع، ومنع من ذلك الباقون. والمجوزون اختلفوا في الوقوع، قال الآمدي:
والمختار الجواز دون الوقوع، وقد أطال الكلام في هذا المقام فليراجع. والذي أميل إليه جواز أن يفوض الحكم إلى المجتهد إذا علم أنه يحكم ترويا لا تشهيا، ويكون التفويض حينئذ كالأمر بالاجتهاد، والأليق بشأن الله تعالى وشأن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينزل ما هنا على ذلك وتكون المشيئة مقيدة بالعلم بالمصلحة).
[فوائد]
١ - أكدت هذه الآيات أدبا من آداب اجتماع المسلمين، وهو أنهم إذا اجتمعوا لأمر فلا يحق لإنسان أن يخرج إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوده، أو بإذن مقدمهم في الدين حال غيابه، أو بعد موته صلى الله عليه وسلم، كما أكدت على وجوب تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون الاحترام بالنداء، وطريقة الكلام، والاستجابة، وعدم الانصراف إلا بإذن، وهي آداب تراعى مع وراثه صلى الله عليه وسلم، ومع من له إمرة شرعية من المسلمين.
٢ - وبمناسبة ذكر أدب الاستئذان للانصراف يذكر ابن كثير أدبا آخر وهو:
ضرورة السلام للدخول والخروج كما ورد في الحديث الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة» مع ملاحظة مراعاة أدب التسليم والمواطن التي ليس من الأدب أن يسلم فيها.
٣ - رأينا أن هناك ثلاثة أقوال في تفسير قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً وقد ذكر اثنين منها ابن كثير وهذا كلامه: (قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزّ وجل