للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو مظنون الذين كفروا، وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما لقوله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ* لأنه لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه؛ لأن الجزاء هو الذي سيقت إليه الحكمة في خلق العالم، فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم).

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أي ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدّة لهم.

ثم بيّن تعالى أنّه عزّ وجلّ من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمنين والكافرين فقال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ* أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ الاستفهام في الآية للإنكار. قال النّسفي: والمراد أنه لو بطل الجزاء- كما يقول الكافرون- لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر، ومن سوّى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما. وقال ابن كثير في الآية: أي لا نفعل ذلك (وهي التسوية بين المؤمنين والكافرين والمتقين والفجار) ولا يستوون عند الله، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دار أخرى يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر، وهذا الإرشاد يدلّ العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنّه لا بدّ من معاد وجزاء؛ فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلا بدّ في حكمة الحكيم العليم العادل، الذي لا يظلم مثقال ذرة، من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار. فتعيّن أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة، ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة، والمآخذ العقلية الصريحة،

قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ أي هذا كتاب أنزلناه إليك يعني القرآن لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ أي ليتدبّروا آياته ومعناه: ليتفكّروا فيها فيقفوا على ما فيه، ويعملوا به وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أي وليتعظ بالقرآن أولو العقول.

قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل. رواه ابن أبي حاتم.

...

[كلمة في السياق]

ذكرنا أن هذه الآيات الثلاث جاءت في وسط الكلام عن داود وسليمان عليهما السلام وارتباطها بالسياق القريب واضح كما رأينا. فبعد أن ذكر الله عزّ وجل نهيه داود

<<  <  ج: ص:  >  >>