بهاتين الآيتين أعطانا الله عزّ وجل الميزان الذي يعرف به الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، ترك الإسلام خوف الإيذاء، أو عند الإيذاء، وليس المراد بذلك الترك الاضطراري مع بقاء الصدر منشرحا بالإسلام، وهكذا نجد السياق حتى الآن قد فصّل لنا من مقدمة سورة البقرة موضوع علامة الصدق بالإيمان بالغيب، والكذب فيه. والآن يصل السياق إلى الحديث عن المحاولات التي يحاولها الكافرون لصرف أهل الإيمان.
....
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا أي ارجعوا عن دينكم إلى ديننا واتّبعوا طريقنا الذي نحن عليه وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ أي وعلينا وفي رقابنا آثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك، كما يقول القائل: افعل هذا وخطيئتك في رقبتي، قال الله تكذيبا لهم وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما قالوه إنهم يحملون عن أولئك خطاياهم، فإنّه لا يحمل أحد وزر أحد
وَلَيَحْمِلُنَّ أي هؤلاء الدعاة إلى الكفر أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزار أنفسهم، وأوزارا أخر، بسبب ما أضلّوا من الناس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ أي يختلقون من الأكاذيب والأباطيل.
[فوائد]
١ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ .. ]
بمناسبة قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ... قال ابن كثير: (وفي الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتّبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من آثامهم شيئا». وفي الصحيح:«ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أوّل من سنّ القتل». وقوله تعالى: وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ أي يكذبون ويختلقون من البهتان، وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فروى عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلّغ ما أرسل به ثم قال: «إياكم والظلم، فإنّ الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم، ثم ينادي مناد فيقول: