للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله

وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ أي من عصيرها تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً أي خمرا وَرِزْقاً حَسَناً كالخل والدبس والنقيع، وفي الآية كلام كثير سنراه في الفوائد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي لدلالة واضحة على الله الذي خلق لهذا الإنسان ما خلق، ولكن هذه الآية يدركها أصحاب العقول، لذلك قال: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وناسب ذكر العقل هاهنا لذكر السكر الذي حرّمه الله على هذه الأمة صيانة لعقولها.

ثم ذكّر الله تعالى بآية أخرى ونعمة أخرى وَأَوْحى رَبُّكَ أي ألهم وهدى وأرشد إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً تأوين إليها وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ أي مما يعرش الناس، أي يرفعون من سقوف البيوت، أو ما يبنون للنحل من الأماكن التي تعسل فيها

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي وألهمها أن كلي من كل الثمرات فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ: أي فإذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك، فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل الله لا تضلين فيها ذُلُلًا أي مذللة لك أي مسهّلة عليك، فهي ترعى حيث شاءت ثم تعود كل واحدة منها إلى بيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة، بل إلى بيتها يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ هو العسل مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ منه أبيض وأصفر وأحمر، وخروجه من بطونها يكون عن طريق فمها فِيهِ أي في العسل شِفاءٌ لِلنَّاسِ لم يقل فيه الشفاء للناس لأنه ليس شفاء من كل داء، بل فيه شفاء للناس من أدواء تعرض لهم، وقد ألفت المؤلفات الكثيرة، شرقية وغربية في العسل كدواء كما سنرى في باب الفوائد إِنَّ فِي ذلِكَ أي في مجموع ما مرّ من هداية النحل، إلى الشفاء بما يخرج منه لَآيَةً ولكن لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أما الذي لا يتفكر فإنه قد أعمته الألفة عن رؤية الآية فلم يعد يشعر بما تدلّ عليه، ثم قال تعال:

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ فتذكروا نعمته عليكم في ذلك ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ فاعرفوه بصفة الإحياء والإماتة وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي إلى أخسه وأحقره وهو الهرم لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي لينسى ما يعلم، أو لئلا يعلم زيادة علم على علمه إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ عليم بحكم التحويل إلى الأرذل من الأكمل، أو إلى الإفناء من الإحياء، قدير على تبديل ما يشاء كما يشاء من الأشياء، بعد أن ذكّرهم في الآيات السابقة على هذه الآية بمجموعة من نعمه عزّ وجل ذكّرهم هنا بكمال قدرته وتصرفه، وعجزهم وقهرهم تحت سلطانه؛ ليدركوا افتقارهم في كل حال إليه، فهم مفتقرون إلى نعمه، مفتقرون إليه، ثم قال تعالى

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ رزق هذا أكثر من هذا، وجعل هذا مالكا وهذا مملوكا، وهذا لا يملك شيئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>