للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة العاديات]

قال الألوسي عن هذه السورة: (ولما ذكر سبحانه فيما قبلها الجزاء على الخير والشر أتبع ذلك فيها بتعنيف من آثر دنياه على آخرته، ولم يستعد لها بفعل الخير، ولا يخفى ما في قوله تعالى هناك: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وقوله سبحانه هنا: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ من المناسبة أو العلاقة على ما سمعت من أن المراد بالأثقال ما في جوفها من الأموات أو ما يعمهم، والكنوز).

وقال صاحب الظلال: (يجري سياق هذه السورة في لمسات سريعة عنيفة مثيرة، ينتقل من إحداها إلى الأخرى قفزا وركضا ووثبا، في خفة وسرعة وانطلاق، حتى

ينتهي إلى آخر فقرة فيها فيستقر عندها اللفظ والظل والموضوع والإيقاع! كما يصل الراكض إلى نهاية المطاف!

وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة، القادحة للشرر بحوافرها، المغيرة مع الصباح، المثيرة للنقع وهو الغبار، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة، وتثير في صفوفه الذعر والفرار! يليه مشهد في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد.

ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور!.

وفي الختام ينتهي النقع المثار، وينتهي الكنود والشح، وتنتهي البعثرة والجمع ... إلى نهايتها جميعا. إلى الله. فتستقر هناك: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ..

والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة، تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور المبعثرة، والصدور المحصل ما فيها بشدة وقوة، كما تناسب جو الجحود والكنود، والأثرة والشح الشديد. فلما أراد لهذا كله إطارا مناسبا، اختاره من الجو الصاخب المعفر كذلك، تثيره الخيل العادية في جريها، الصاخبة بأصواتها القادحة بحوافرها، المغيرة فجاءة مع الصباح، المثيرة للنقع والغبار، الداخلة في وسط العدو على غير انتظار .. فكان الإطار من الصورة والصورة من الإطار.

يقسم الله سبحانه يخيل المعركة، ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى توري الشرر

<<  <  ج: ص:  >  >>