للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نزول هذه الآية ندرك نقطة رئيسية في القضية التي حيرت الكثير، وهي ارتباط المشيئة البشرية بالمشيئة الإلهية. والخلاصة في هذا الموضوع: إن كل شئ بمشيئة الله عزّ وجل، وهذا لا يتنافى مع اختيار الإنسان، كما رأينا في أكثر من مكان، فإذا أضل الله أضل عدلا، وإذا هدى يهدي فضلا، ولولا أن كل شئ بمشيئة الله عزّ وجل لكان الله عزّ وجل مقهورا بالمعصية، وهذا لا يكون، ومن ثم كان كل شئ بمشيئته، وهذا لا يعني الإجبار، فقد علم وأراد، وأبرز بقدرته، والعلم كاشف لا مجبر، علم ماذا سيفعل فلان فأراده فأبرزه بقدرته.

[كلمة في السياق]

١ - هناك صلة بين العبادة ومعرفة أن التوفيق بيد الله عزّ وجل: ولذلك نقول في كل صلاة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وهناك صلة بين العمل والاستقامة وفي الحديث: «قل آمنت بالله ثم استقم» فهناك صلة إذن بين قوله تعالى في المقطع: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ .. وبين قوله تعالى في المحور:

يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

٢ - جاءت في المقطع ثلاثة أقسام (جمع قسم) على قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ فالأقسام مؤكدة، والآية فيها تأكيدان (إن) (واللام) فخمسة مؤكدات تنصب على أن هذا القرآن من عند الله، وذلك- في العادة- يكون إذا كان المخاطب عنده شك، ومن هنا ندرك العلاقة بين هذه الآيات وآيات المحور: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فالآيات تؤكد أن هذا القرآن من عند الله، وتلاحق الريب: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ* وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وهناك قراءة بالظاء وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: بمتهم، فالمقطع بين أن الثقة بهذا القرآن ينبغي ألا يكون لها حدود، فجبريل الأمين هو الذي نقله عن الله عزّ وجل لمحمد الأمين، غير المتهم على الوحي، وغير البخيل به. فالسورة بمجموعها هيجت على العبادة والتقوى والاستقامة، ومعرفة الله عزّ وجل، والعمل الصالح، وذكرت الشيئين الأساسيين اللذين ينبثق

عنهما هذا كله: مجئ يوم القيامة، والثقة بهذا القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>