وهذا هو المراد الرئيسي في سياقها بدليل سبقها بقوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. وكانت نموذجا على ما ورد في أول السورة: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ لاحظ الصلة بين هذه الآيات وما ورد هاهنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ، فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ثم لاحظ صلة بداية المقطع الثاني ببداية المقطع الأول: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ .. ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
وهكذا تجد كيف تتجسّد في السورة الخصائص التي ذكرت عن القرآن في كونه مبينا، وكونه عليا، وكونه حكيما، وكونه مذكرا.
وأما صلة القصة بمحور السورة فمن أكثر من جهة: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا مع أن مضمونه هو مضمون رسالات الله، ومع ملاحظة ما أصاب المكذبين بهذه الرسالات فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ...
٢ - وبعد قصة موسى عليه السلام وفرعون يأتي قوله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.
لاحظ صلة ذلك ببداية المقطع وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
ولاحظ صلة ذلك ببداية السورة أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ وصلة ذلك في المحور وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا .. فلنر الآيات:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا من قبل الكافرين في كونه عبد من دون الله، وذلك دليل في زعم الكافرين أنه في النار بناء على ما ورد في سورة الأنبياء أنهم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فهذا عيسى يعبد من دون الله. فاستدلوا بذلك على أن القرآن ليس مستقيم العبارة وأنه .. وأنه .. وأنه .. وبنوا عليه: ما دام عيسى على رأي القرآن في النار- وليس ذلك معقولا- فآلهتهم ليست في النار، وبالتالي فالقرآن ليس صحيح المضمون. وسنرى في الفوائد عند ذكر سبب نزول هذه الآية، من الذي ضرب هذا المثل من الكافرين، وما قصة ذلك. والذي نذكره هنا هو أن المشركين بنوا على هذا