أي: كالطين المطبوخ بالنار، وهو الخزف، قال النسفي: ولا اختلاف في هذا وفي قوله: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*، مِنْ طِينٍ لازِبٍ، مِنْ تُرابٍ* لاتفاقها في المعنى؛ لأنه يفيد أنه خلقه من تراب، ثم جعله طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم صلصالا. أقول: وفي ذكر خلقه من صلصال نفي صريح لزعم من زعم أن جنس الإنسان الحالي قد تطور عن خلق آخر
وَخَلَقَ الْجَانَّ أي: أبا الجان مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ المارج من النار هو طرف لهبها. قال النسفي: هو اللهب الصافي الذي لا دخان فيه، وقيل: المختلط بسواد النار
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما يا معشر الجن والإنس تُكَذِّبانِ فلا تشكران فتعبدان وتتقيان وهو الخالق لكما.
[كلمة في السياق]
بعد أن أجمل في أول السورة خلق الإنسان، ذكر هنا بالتفصيل من أي شئ خلق الإنسان والجان، مذكرا بنعمته في ذلك، منكرا على من يكذب نعمه ولا يعمل بما تقتضيه، وصلة ذلك بالمحور واضحة، فالمحور يقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وهاهنا ذكر بدء الخلق، مع الإنكار على من يجحد النعم؛ فلا يعمل بما تقتضيه من شكر، والشكر عبادة وتقوى وتوحيد.
...
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ في كل لحظة يوجد شروق وغروب، فحين تغرب الشمس على إنسان تشرق على آخر، ففي لحظة واحدة يكون شروق وغروب، ومن ثم
تحدث الله عزّ وجل عن أنه رب المشارق والمغارب، وتحدث عن أنه رب المشرق والمغرب، وهاهنا ذكر أنه رب المشرقين ورب المغربين، لأن الإنسان يستطيع أن يدرك تلقائيا مشرقين ومغربين، فحيث ما تشرق الشمس عليه يكون غروب على غيره، وحيث ما تغرب الشمس عنه يكون شروق على غيره وغروب عليه، والتذكير بأنه رب المشرقين ورب المغربين تذكير بنعمة الليل والنهار اللذين هما من أجل النعم.
قال ابن كثير: ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران بأن تعبدا الله وتتقياه
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي: أرسلهما قال ابن كثير: والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس. أقول: وفي قوله تعالى: مَرَجَ يوجد معنى الجعل مع الإرسال، ومن ثم قال: يَلْتَقِيانِ أي: يلتقي البحر المالح