الآخرة، ومن دعوات الملائكة لهم، ومن وقايتهم السيئات، لأن دعاء الملائكة مستجاب، كما أنّها بيّنت أنّ التّوبة، واتباع السبيل، هما قوام هذا الأمر، وفي هذا زيادة تفصيل لقضية التقوى. والآن تأتي مجموعة آيات تتحدث عما يقوله الملائكة للكافرين يوم القيامة بعد أن عرفنا ما تدعو به الملائكة لأهل الإيمان في الدنيا ...
[تفسير المجموعة الثالثة]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ أي يوم القيامة إذا دخلوا النار ومقتوا أنفسهم فيناديهم خزنة النار لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ البغض أشد المقت والمعنى: لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ والمعنى: أنه يقال لهم يوم القيامة: كان الله يمقت أنفسكم الأمّارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله، وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار، إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهنّ: قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن الكفار أنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون، وذلك عند ما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به، فمقتوا عند ذلك أنفسهم، وأبغضوها غاية البغض، بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارا عاليا، بأن نادتهم نداء بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون، أشدّ من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة. قال قتادة في قوله تعالى: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ يقول لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة، وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذرّ بن عبيد الله الهمداني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير الطبري).
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ أي أمتنا إماتتين أو موتتين، وأحييتنا إحياءتين أو حياتين، وأرادوا بالإماتتين خلقهم أمواتا أولا، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وبالإحياءتين، الإحياءة الأولى في الدنيا، والإحياءة الثانية البعث فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا لما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم علموا أن الله قادر على الإعادة، كما هو قادر على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي