مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي أجله، أي مات شهيدا كحمزة ومصعب وأنس بن النضر رضي الله عنهم وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة وَما بَدَّلُوا العهد تَبْدِيلًا ولا غيروه لا المستشهد، ولا من ينتظر الشهادة، وفيه تعريض لمن بدّلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مرّ في قوله تعالى:
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ أي بوفائهم بالعهد وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ إذا لم يتوبوا أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إن تابوا إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً بقبول التوبة رَحِيماً يعفو الحوبة. قال ابن كثير:(أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال؛ ليميز الخبيث من الطيب، فيظهر أمر هذا بالفعل، وأمر هذا بالفعل، مع أنه تعالى يعلم الشئ قبل كونه، ولكن لا يعذّب الخلق بعلمه فيهم، حتى يعملوا بما يعلمه منهم)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي الأحزاب بِغَيْظِهِمْ أي مغيظين لَمْ يَنالُوا خَيْراً أي لم ينالوا ظفرا، أي لم يظفروا بالمسلمين، وسمّاه خيرا بزعمهم وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ أي بالريح والملائكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً أي قادرا غالبا
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ أي عاونوا الأحزاب مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي من بني قريظة مِنْ صَياصِيهِمْ أي من حصونهم جمع: صيصية وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم الرجال وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وهم النساء والذراري
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ المراد بالأموال المواشي والنّقود والأمتعة وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها دخل في ذلك كل أرض تفتح للإسلام إلى يوم القيامة، فهي بشارة
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
أي قادرا. وبهذا انتهى المقطع الثاني.
[كلمة في السياق]
رأينا في هذا المقطع مظهرا من مظاهر الوفاء بالعهد، ومظهرا من مظاهر نقضه، ورأينا في المقطع مظهرا من مظاهر النفاق، ومظهرا من مظاهر الإيمان، ورأينا في المقطع الطريق العملي للتحقق بكمال الإيمان، بذكر طريق القدوة برسول الله صلّى الله عليه وسلم. ورأينا في المقطع صورة عملية للامتحان الشديد الذي يعقبه نصر. ورأينا في المقطع صورة عملية للتوكل الصحيح، ولذلك كله محله في السياق العام والخاص للسورة؛ ففي سياق السورة الخاص نجد تعليلا للأوامر الأولى في السورة إذ أمرت بالتقوى، وترك طاعة