وقد رأينا صلة الآيات الثلاث من السورة بهذا الجزء من سورة البقرة، وبعد هاتين الآيتين يأتي قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ لاحظ صلة مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا بقوله تعالى في سورة الإنسان: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ وصلة قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ بقوله تعالى في سورة الإنسان: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً.
٣ - بعد قوله تعالى في سورة البقرة عن النار: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يأتي قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ويأتي بعد قوله تعالى في سورة الإنسان:
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ ... أي: يأتي كلام عما يبشر الله عباده المؤمنين، ويستمر هذا حتى نهاية الفقرة الأولى، ويرد خلال ذلك ذكر لبعض مضامين الإيمان، وذكر لبعض الأعمال الصالحة، فلنر إذن تتمة الفقرة بعد أن عرفنا محلها في السياق القرآني العام، أي: صلتها بمحور السورة من سورة البقرة، وأما محلها في سياق السورة الخاص فإنه بعد أن ذكر الله عزّ وجل أن الناس قسمان كافر وشكور، وذكر ما أعده للأشقياء من السعير يذكر جل جلاله ما أعده للسعداء الأبرار الشاكرين.
إِنَّ الْأَبْرارَ فسر بعضهم الأبرار بأنهم الذين لا يؤذون الغير ولا يضمرون الشر، أقول: لقد فسر الله البر في آية البر من سورة البقرة، وفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم البر بقوله:«والبر ما اطمأنت إليه النفس» فالأبرار هم أصحاب هذه المقامات يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ قال النسفي: أي: من خمر، فنفس الخمر تسمى كأسا، وقيل:
الكأس: الزجاجة إذا كان فيها خمر كانَ مِزاجُها أي: ما تمزج به كافُوراً