للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاءوا، وأنهم أحرار في النظام الاقتصادي الذي ارتضوه ولو كان ظالما وهي لغة الكفر في كل زمان ومكان، ثم قالوا على سبيل الاستهزاء إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ أي أأنت العاقل الراشد؟! وهو منطق كثير ممن يردون دعوة الله مستهزءين بفهم وفقه وعقل الدعاة، فكأنهم يقولون بكلمتهم المستهزئة: إنك لأنت السفيه الضال، وكدأب كل رسول في إقامة الحجة

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي على بصيرة فيما أدعو إليه وَرَزَقَنِي مِنْهُ أي من عنده رِزْقاً حَسَناً قيل: أراد النبوة، وقيل: أراد الرزق الحلال الذي لا بخس فيه

ولا تطفيف، ويحتمل الأمرين، والتقدير:

أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربي، وكنت نبيا على الحقيقة، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ أى لم أكن لأنهاكم عن أمر وأرتكبه، ولم أكن لأسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ أي ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر قدر استطاعتي للإصلاح ما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ أي وما كوني موفقا لإصابة الحق فيما آتي وأذر إلا بمعونة الله وتأييده عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي اعتمدت في جميع أموري وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي أرجع في كل أموري في السراء والضراء وكل حال

وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ أي فيصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء الأقوام من العذاب وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ في الزمان، فهم أقرب الهالكين منكم، أو في المكان، فمنازلهم قريبة منكم، أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوئ، هددهم بالغرق أو الريح أو الرجفة؛ بسبب خلافه، نسأل الله بمنه وكرمه ألا يمنعنا بغض أو شقاق أو خلاف عن أن نقبل الحق الخالص كائنا ما كان، وقد دل خطابه عليه السلام لهم على أن زمنه متأخر عن زمن قوم لوط، وعلى هذا فالترتيب في سورة هود بين القصص ترتيب زمني: نوح ثم هود ثم صالح ثم إبراهيم ولوط ثم شعيب

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ في سالف ذنوبكم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فيما تستقبلونه في الأعمال السيئة إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ومن رحمته غفرانه لأهل الجفاء من المؤمنين وَدُودٌ ومن مودته أنه يحب أهل الوفاء من الصالحين، ومن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا، وهكذا أقام عليهم الحجة إن من خلال النظر في شأنه، أو النظر في أمر الغابرين، أو النظر في طبيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>